تحليل

حميد اتباتو يتذكر... محمد زفزاف ضدا على طاحونة النسيان...

حوار: حميد اتباتو
يحل يوم 13 يوليوز، وتعود معه ذكرى رحيل الكاتب محمد زفزاف الذي رحل في نفس اليوم من سنة 2001، وحرصا على أن نبقى أوفياء لمن علمونا، ووقعوا ببهاء الزمن الذي ننتسب إليه، ومنهم الراحل محمد زفزاف، وحتى نبقي حضور زفزاف ومن ماثله في أعماقنا، نتعاقد  مع أنفسنا، على أن نستحضر من رحل، وأن لا ننساه  إلى أن ينفذ جهدنا، وتتلاشى صحتنا، بالقدر الذي نعاهد من تبقى على أن نساهم  من موقع الاهتمام، وحسب المستطاع، بما يرسخ الاعتزاز بالذاكرة الجماعية وتقديرها، ويكرس التقدير لمن أثراها ومجدها  بصدق بالقليل أو الكثير.  نستحضر ذكرى الكبير زفزاف بإعادة نشر حوار معه كنت قد أنجزته لجريدة الأحداث المغربية حين كنت صحافيا مهنيا مع مجموعتها الأولى.
أعيد نشر هذا الحوار مع الكاتب الراحل، وأنا استحضر عتاب صديق ومبدع عزيز في تدوينة له في سياق آخر، يتأسف فيها على  عدم الانتباه إلى الناس في حياتهم، وانتظار الموت لمدحهم، والتذكير بخصالهم، وهو أسف صادق، لكني أقول بالمناسبة إن الحديث عن الكبار وكل الناس الإيجابيين والفاعلين بمحبة وتقدير ليس تمجيدا  لذات التمجيد، أو رثاء حبا في المراثي، بل هو ممارسة تقول العاطفة والقناعة، وتعكس الموقف  والمسؤولية، أكثر من هذا  فهي تقول التآزر في مهمة لفت الانتباه لعطاء ما في مجال ما ، ولمساهمة ما  هي من  الأهمية بمكان ليس لأن من راكمها هو هذا الاسم أو ذاك فقط، بل لأن من ساهم بها قد أثرى بذلك وجها من أوجع ذاكرة العطاء العامة، وما نسميه الإبداعية المغربية الفاعلة، ومعاني الوجود  الإنساني. 
الكتابة عن الناس والمجتمع، واستحضارهما  بهذا المعنى هو ما انشغل به الراحل محمد زفزاف في مجموع  ما أبدعه، وذلك لكون هذا الإبداع هو سيرة  لمرحلة من عمر ناس وثقافة، ووجود، وشكل من قراءة التاريخ الاجتماعي وتأويله، وصيغة لمراكمة الآثار البانية للذاكرة والوعي. إنه ما تقوله مجموع الأعمال التي تركها الراحل ومنها"حوار في ليل متأخر"، " المرأة والوردة"، و"أرصفة وجدران"، و"بيوت واطئة"، و"الأقوى"، و"محاولة عيش"، و"الأفعى والبحر"، و"ملك الجن"، و"غجر في الغابة"، و"الشجرة المقدسة"، و"الثعلب الذي يظهر ويختفي"، و"بيضة الديك"، و"العربة"، و"الحي الخلفي"، و"بائعة الورد"، و"أفواه واسعة ".هو ما عبر لي عنه الراحل بعد أن عدنا في بيته بحي المعاريف قائلا من سلموا علي بالمقهى حيث جلسنا هم مادة شخصيات  كتابي "الحي الخلفي". ما نقوله عن الراحل محمد زفزاف ينطبق على بقية الإسهامات في المسرح، و السينما، و الأغنية، و الرواية، والقصة، والشعر، والتشكيل، والفوتوغرافيا، والكتابة الصحفية، والإبداع الشعبي، والبحث العلمي وما تبقى.
 يعتبر محمد زفزاف من بين العلامات المميزة للمشهد الثقافي والإبداعي بالمغرب، ما يعتبر أيضا من بين المبدعين القلائل الذين أصلوا الكتابة الروائية والقصة المغربية. شكلت كتاباته إسهاما مهما في المجال الإبداعي المغربي والعربي.
س: كيف حال المشهد الثقافي والإبداعي بالمغرب ؟
ج: إن ما يمكن أن يقال عن المشهد الثقافي بالمغرب هو أني متفائل جدا من هذا التراكم الذي لم يكن موجودا في السابق؛ فهناك أنشطة ثقافية متعددة، و إصدارات كثيرة، فيها الجيد والرديء كما هو الحال في أي مشهد ثقافي في بلد آخر، سواء كان هذا البلد هو الولايات المتحدة الأمريكية أو أي بلد أوربي.
س: ألا ترون أن مقارنة المشهد الثقافي الحالي بالوضع الذي كان عليه في فترة سابقة – السبعينيات وبداية الثمانينيات - يؤكد أن هذه الفترة أنتجت الأسماء والتجارب الرائدة سواء في مجال الرواية ، أو السينما، أو المسرح، أو التشكيل، أو الأغنية ؟
ج: لا أعتقد ذلك. لقد كانت فترة السبعينات مزدهرة حقا، وإن كان الطابع الإيديولوجي يغلب على إبداعات هذه المرحلة باستثناء التشكيل، لكن هذا لا يمنع من الإقرار بأن فترة ما بعد السبعينيات قد أنتجت مجموعة من الأقلام الجديدة، ونفس الشيء بالنسبة لفترة التسعينيات. فكما سبق أن قلت، هناك تراكم كمي ونوعي جيد جدا، لكن تبقى للتاريخ وحده مهمة الغربلة، لأن هناك مجموعة من الأقلام التي ستفرض ذاتها، ومجموعة أخرى ستختفي وهذه حتمية.
س: بالرغم من هذا ألا ترون أن هناك تراجعا على مستوى ارتباط المثقف بمجموعة من القضايا، من قبيل قضية الشعب، والقضية القومية، والقضية الإنسانية وقضية الهامش كذلك؟
ج: لا يمكنني أن أصدر حكما عاما، لأن في ذلك استفزازا، ولكن الصورة واضحة فإذا أردت أن تقول إن الإيديولوجيا بمعناها الماركسي اختفت في الأعمال الإبداعية فهذا شيء مقبول منك، لكن الإبداع في حد ذاته إيديولوجيا غير ملموسة... إيديولوجيا ضمنية.
س: كيف تقدمون للقراء عملكم الروائي الأخير أفواه واسعة ؟
ج: لا أستطيع أن أتحدث عن هذا العمل، وقد سبق أن تحدثت عنه في بعض اللقاءات التي أجريت معي، ولكن هذا العمل يجب أن يعطي فيه النقاد رأيهم، لأنه لا يمكنني أن أنتقد عملي هذا، كما لا يمكنني أن أتحدث عنه. فقط أود أن أشير إلى أن بعض النقاد قد كتبوا عن هذا العمل، وقد اطلعتم بدون شك على الدراسة التي كتبها صبري حافظ حول " أفواه واسعة"  في عدد أخير من "أخبار الأدب". ما كتبه صبري حافظ  برأيي، هو دراسة جيدة قاربت بالفعل هذه الرواية.
س: أثارت بعض كتاباتكم الأخيرة مثل "الحي الخلفي" أسئلة كثيرة خاصة أن هناك من رأى أن إبداعية الكتابة عندكم تراجعت في هذه الأعمال. ما رأيكم ؟
ج: هذا رأي النقاد، ومن حقهم ذلك، ومن الذي يمنعني من القول مثلا إن تولستوي كاتب فاشل؟ هذا الكلام الذي أسمعه منك الآن، سبق أن سمعته من أحد الشبان الذين يكتبون، حيث قال: لو محونا اسم محمد زفزاف من ظهر غلاف "الحي الخلفي" لقلنا هذا كتاب لمبتدئ ورديء الخ، رغم أن هذا الكتاب كتب عنه نقاد بشكل جيد وحبذوه، لكني أعتقد أن هذا الكاتب الشاب (نشر رواية)، كتب في ما بعد في جريدة أنوال – وأنا لم أقرأ ما كتب – أنه يعتذر للعم زفزاف.
ليس بالضرورة أن يكتب نجيب محفوظ روايات جيدة. قد نكبوا أحيانا، وأنا مثلا لم أسمع إطلاقا بالكاتب الذي فاز بجائزة نوبل مؤخرا، وقد حدثتني عنه إحدى الصديقات الفرنسيات التي عاشت عشر سنوات بالبرتغال. من حق الإنسان أن ينتقد الكتب المدنسة، بل إنهم ينتقدون حتى الكتب المقدسة.
س: كيف تعلقون على الرأي الذي يعتبر أن تجربة محمد زفزاف كانت أكثر زخما، وأكثر إثارة للجدل في المحطات الموقعة بعناوين من مثل "المرأة والوردة"، و"أرصفة وجدران"، و"بيوت واطئة"، و"الثعلب الذي يظهر ويختفي"؟
ج:  أقول لك إن الكاتب لا يكتب سوى كتابا واحدا في حياته، وعندما نصدر كتابا آخر نقول إننا لم نقل ما أردنا قوله في السابق، وهكذا إلى ما لا نهاية.
س: إذا كان "الحي الخلفي" قد أثار نقاشا لأن صدوره صادف انعقاد إحدى دورات معرض الكتاب بالدار البيضاء، فإن  "بائعة الورد" لم يواكبه النقد المطلوب لماذا في رأيكم ؟
ج: على كل حال... لقد لاقى عمل "بائعة الورد" استحسانا كبيرا، وترجمت قصصه إلى العديد من اللغات، وعندي رسائل كثيرة تلقيتها من المبدعين، والكتاب، والمستشرقين تؤكد قيمة العمل. هناك زبونية أحيانا، كأن يكتب أستاذ جامعي رواية مثلا، ويأتي طلبته يكتبون عنه في بعض المنابر، فيجعلون "من الحبة قبة" كما يقال. أنا لا أسعى وراء الشهرة، وأنت تعلم أن "الثعلب الذي يظهر ويختفي" رواية مقررة في السوربون، وتدرس كذلك في جامعة أخرى بالولايات المتحدة الأمريكية، كما أن "المرأة والوردة" تدرس في جامعة بوردو، وفي جامعة ليدن كذلك.
س: نعرف جميعا أن كتب زفزاف ترجمت إلى العديد من اللغات، كما نعرف أن أعمالكم تدرس في مجموعة من الجامعات الأجنبية، لكن وعلى عكس هذا لا يتم الاحتفاء بكم داخل الوطن بالشكل الذي يليق بكم كرمز بارز، ومؤسس في المشهد الروائي والقصصي بالمغرب. ما سبب ذلك ؟
ج: كما سبق أن قلت لك، علي أن أكون أستاذا جامعيا، وأن يتملقني الطلبة لكي يحضروا عن أعمالي أطروحات، لكن على كل حال، فعندما يأتي الصدى الطيب من خارج القطر، فهذا يشرفنا. يكفيني أن بعض الأسماء من أصدقائي الكتاب من مثل محمود درويش، والمرحوم جبرا إبراهيم جبرا، وسعدي يوسف،  وجمال الغيطاني وغيرهم يحترموننا.  الأساسي في رأيي هو أن الزبونية في الأدب لن تفيد أحدا، وكما سبق أن قلت فالتاريخ وحده هو الذي يغربل. إن أبا حيان التوحيدي مثلا ظل مغمورا إلى أن انتبهوا إليه بعد قرون..
س: سمعت شخصيا في السنوات الأخيرة عن رفض جهات أكاديمية في إحدى الكليات لمشروع أطروحة حول تجربتكم الإبداعية. أليست هناك جهة محددة – مؤسسة التحريم مثلا - تسعى إلى تهميشكم ضمن التهميش العام للرموز المتمردة في المشهد المغربي ؟
ج: يشرفني أن تناقش أطروحة دكتوراه حول أعمالي بالسوربون، وقد نجح صاحبها بميزة حسن، وهو أستاذ بكلية الآداب بالمحمدية. يشرفني أن تقبل السوربون إنجاز أطروحة حول أعمالي، أما إذا كان شخص ما في كلية الآداب بتطوان قد رفض هذا فهذا شأنه، لأنه كان يكتب القصة القصيرة، وهو كاتب فاشل.
س: ألا يقلقكم كون الذي منحكم جائزة عن "بيضة الديك" هو الآخر وليس جهات وطنية، رغم أن الرواية صدرت منذ مدة بالعربية ؟ 
ج: إنها مفارقة غريبة حقا، لكن الأساسي هو أنني لم أرشح نفسي للجائزة، وقد منحتني فرنسا إياها رغم أنني لست كاتبا فرنكوفونيا. إنه شيء جميل جدا، بمعنى أن الكتابة باللغة العربية تستطيع أن تفرض ذاتها لو ترجمت إلى لغات أخرى، وهذا ما حصل بالنسبة للخبز الحافي. أقول لك شيئا يجب أن تنشره هو أنه عندما ترجم الطاهر بن جلون "الخبز الحافي" إلى الفرنسية، ولقي ما لقي من نجاح ندم على فعلته، وحين قال له محمد شكري لماذا لا تترجم "المرأة والوردة" أجابه الطاهر بن جلون: "لن أترجم مغربيا على الإطلاق في حياتي".
كان مترجم "بيضة الديك"  يحاول ترجمتها منذ زمان، ورغم ما قيل عن الترجمة فقد فازت بالجائزة، رغم أن الرواية حين صدرت بالعربية كتب عنها بشكل سيء، وقيل إنها رديئة، إلا أن هناك بعض الأقلام تابعتها، وكتبت عنها بشكل جيد مثل ما كتبه قمري البشير.
س: كثيرا ما تتداخل لدى القارئ ملامح وسلوكات بعض أعمالكم بشخصية محمد زفزاف نفسه، خاصة بالنسبة لبعض الأعمال مثل "المرأة والوردة"، و"الثعلب الذي يظهر ويختفي"، و"بيضة الديك" التي توجهون في فقرة محددة منها رسالة واضحة إلى محمد شكري، فما هي العلاقة التي تربط بينكم وبين شخصيات رواياتكم ؟
ج: من البديهيات أن الكاتب موجود رغم أنفه في نصوصه، وهذا شيء معروف جدا ولا جدال فيه، ولكن الخلط الذي يقع بالنسبة لبعض النقدة – ولا أقول النقاد - هو أنهم يعتقدون أن الرواية هي سيرة ذاتية، والسيرة الذاتية تختلف كما هو معروف عن النص الروائي.  الكاتب حاضر باستمرار في نصوصه، بهذا الشكل أو ذاك.
س: ينبني متخيل الإبداع الروائي، ومتخيل رواياتكم أساسا، في جزء كبير منه، على عناصر السيرة الذاتية، ما هي حدود الواقعي وحدود المتخيل في كتاباتكم الإبداعية؟
ج: أعتقد أن أي نص –سواء تعلق الأمر بما كتبته، أو بما كتبه أي مبدع حقيقي ،لابد أن يشمل المتخيل والواقعي. إنها عملية موجودة في الكثير من الأعمال الروائية والقصصية المتميزة.
س: يعتبركم النقد من بين الكتاب الواقعيين. كيف تفهمون هذه الواقعية؟
ج: كتب عن أعمالي الشيء الكثير، وصنفوني في جهات متعددة حتى أن الإنسان يصاب بدوخة أحيانا؛ فأنا لا أستطيع أن أقول إنني كاتب واقعي، وهناك من يقول إنني كاتب وجودي، خاصة حين يقرؤون "أرصفة وجدران" التي لا توجد مع الأسف في السوق المغربية، وكل ناقد ينظر إليك نظرة حسب المدرسة النقدية التي ينتهجها هو.
س: يتم الترويج بكثافة في المشهد المغربي لجنس الرواية الجديدة من طرف مجموعة من النقاد والمبدعين. فهل ترون أن زمن الواقعية قد انتهى في مجال الرواية؟ وهل الواقع المغربي على استعداد للتخلي عن المبدعين الواقعيين ؟
ج: لا يمكننا أن نتحدث عن الرواية الجديدة، ولكن يمكننا الحديث عن الأدب المغاير La littérature différente فمصطلح "الرواية الجديدة"، الذي أطلقه ألان روب غرييه هو عبارة عن أدب مغاير، بمعنى أنه تنكر لطريقة السرد القديمة عند بلزاك، وإميل زولا، وديكنز، ودوستويفسكي، وغوركي الخ. أصحاب الرواية الجديدة أنفسهم يختلفون عن بعضهم البعض، فناتالي ساروت لا تشبه كلود سيمون، وسيمون لا يشبه ألان روب غرييه.. ليست هناك رواية جديدة إذن، ولكن هناك أدب مغاير.أما أن يقال بأن عندنا رواية جديدة في المغرب، فمسألة أخرى. لتكن عندنا روايات قبل كل شيء، وآنذاك يمكن أن نتحدث عن مثل هذه الأشياء. إن عدد الروايات عندنا محصور ومحدود، فكيف إذن يمكن الحديث عن "رواية جديدة"، فهذا في رأيي اسمه "التنطع" من طرف بعض الكتبة (الكتبة بعد أن تحدثت سابقا عن نقدة)
س: عصفت التحولات التي عرفها العالم في السنوات الأخيرة  بالكثير من التوجهات، والقناعات لدى مجموعة من المفكرين والمبدعين، فهل بإمكان هذا أن يقنع زفزاف بالتخلي عن الغايات التي حركت لديكم، ولدى العديد من المبدعين حرقة الكتابة ؟
ج: أعتقد أن لا شيء سوف يتغير بالنسبة إلي، ولن يغير من قناعاتي إلا القبر. لازلنا ندافع عن الأشياء التي اقتنعنا بها، وأنا لا أتحدث هنا بشكل مثالي عن الأخلاقيات، أو السلوك الإنساني الذي يجب أن يتطور، كما أني لا أحلم بيوطوبيا، ولكننا نحاول ما أمكن أن نعالج ما يمكن معالجته في السلوك اليومي لمجتمعنا عن طريق الكتابة، وعن طريق ممارسات أخرى.
س: تعلن مجموعة من الجهات (سياسية وثقافية، رسمية ومعارضة) رغبتها في إقبار تجليات الصراع،  فهل أنتم على استعداد لمصالحة المؤسسة الثقافية الرسمية التي تصر على تهميشكم؟
ج: لا أعتقد أن هناك ثقافة رسمية، ولكن هناك فقط بعض الناس الذين يشتغلون لحساب الدولة وهذا شأنهم الخاص، فالصراع بهذا الشكل غير موجود في رأيي. عندنا مجموعة من الكتاب الأحرار، وأنا متفائل جدا لأنهم يمارسون حقهم في الكتابة وأنا لا أتحدث عن الصراع بين الكتاب الذين لا يرتبطون بالدولة وبين الجهات الرسمية، فماذا تستطيع أن تفعله الدولة للكاتب في نظرك ؟ هل تكتب؟ أو توجهه لكي يكتب؟ وماذا يستطيع الحزب أن يقدم للكاتب؟.. هل يفرض عليه كتابة قصيدة أو رواية أو مسرحية؟ هذا غير ممكن، ومسألة مغلوطة لأنه لا يمكن لأي حزب أو للدولة أن تملي علي طريقة إبداع رواية، أو قصيدة، أو لوحة تشكيلية. إن المبدع مستقل في حد ذاته، وإذا كان ينتمي لنظام من الأنظمة سواء داخل المغرب أو خارجه، فذاك شأنه.
س: تحدثتم في إحدى البرامج المتلفزة  عن أهمية إحياء بعض الطقوس الراقية في التعاطي مع المنتوج الثقافي والفني، ألا تتأسفون أيضا على كون أغلب الرموز الثقافية استعدت بما فيه الكفاية للاندراج في البرنامج الثقافي والسياسي للمؤسسة الرسمية ؟
ج: أنا قلت لك إن هذه المسألة مغلوطة مرارا، وكررت أن الدولة لا تهتم بالثقافة عندنا، ولا شأن لها بالمجال،  بل إنها تستهين بالثقافة، ولا تعترف بدور وبقيمة الثقافة، وتعتقد أن الثقافة ليس لها أي تأثير في المصير التاريخي للمجتمع، وهذا خطأ كبير. فبعض الناس لا يعترفون بأن الثقافة لعبت دورا مهما في تغيير بعض المجتمعات و تغيير الذهنيات، بل لقد أثرت الثقافة في السياسة الممارسة بالبلد في حقبة من الحقب.
س: لكن هناك جهة ما تتحرك لقمع ومحاصرة المختلف...
ج: هل من مثل لذلك؟
س: مصادرة "الخبز الحافي" و "الخيمة" لمحمد شكري ، و "أغلال الماضي" لمحمد البريني، و"الحريم السياسي" لفاطمة المرنيسي، و مصادرة مجموعة من المجلات،  بالإضافة إلى التضييق على الدرس المسرحي لحسن المنيعي بفاس الخ.
ج: أنا أتفق معك، لكني أظن أن الدولة ليست مسؤولة، لأنها لا تقوم بهذا، ولكن هناك أيادي خفية وحقودة هي التي تقوم بهذا، وأنا هنا لا أدافع عن الدولة. هناك بعض الأدمغة المتحجرة، وبعض الحساد والحقودين هم الذين يتكفلون بهذه المهمة.
س: تكتبون الرواية والقصة القصيرة، وتترجمون بعض الأعمال، فما هو الجنس الذي يتيح لكم التعبير عن مواقفكم وآرائكم بصيغة أفضل؟
ج: أنا أجد نفسي في القصة القصيرة و الرواية، أما بالنسبة للترجمة إلى اللغة العربية أو العكس، فأنا أشتغل على بعض النصوص التي أحس بمتعتها كما لو أني أنا كاتبها. أنت تعرف أنني ترجمت نصوصا من الشعر العربي المعاصر إلى الفرنسية لأن هذه النصوص كانت تريحني، كما سبق أن ترجمت أعمالا لمجموعة من الشعراء المغاربة لنفس الغاية أيضا. ونفس الشيء بالنسبة لترجمتي لأعمال أجنبية إلى العربية كما كان الحال مع عمل لهيرمان هيسه الألماني، الحائز على جائزة نوبل وغيرها من النصوص.
س: بعد "المرأة والوردة"، و"أرصفة وجدران"، و"الأفعى والبحر"، و"غجر في الغابة"، و"أفواه واسعة"... هل قال محمد زفزاف الأشياء التي كان يرغب في قولها ؟
ج: كما سبق أن قلت لك، لم أقل كل ما أريد أن أقوله، ولا يمكن لكاتب أن يدعي أنه قال كل ما يريد قوله... فهو يستمر في الكتابة، ويستدرك ما فاته.
س: بماذا تفسرون تدني مستوى متابعة المنتوج الإبداعي المغربي، خاصة المنتوج الروائي؟
ج: إنه سؤال موجه إلى النقاد أولا. عندنا مجموعة من النقاد المتميزين في المغرب لكن ليس بإمكانهم متابعة كل الأعمال، خاصة أن هناك مجموعة من الأعمال الرديئة. أقولها بصراحة لأني كنت عضوا بلجنة تحكيم جائزة المغرب مؤخرا، وكان من نصيبي أن أقرأ عشرة كتب، فأتعبتني لأنها تافهة جدا (روايات وقصص وأشعار). لقد ضيعت وقتي في قراءة هذه الأعمال السخيفة، وأنا أحيي النقاد المساكين وأقول لهم "برافو" لأنه لا يمكن تتبع كل هذه الإصدارات إلا أن العمل الجيد يفرض نفسه بدون نقاش.
س: كيف تقيمون دور اتحاد كتاب المغرب في المساهمة في إنعاش الوضع الثقافي المغربي؟ وكيف تعلقون على الشلل الذي أصاب عمل هذه المؤسسة في السنوات الأخيرة؟
ج: إن وضع هذه المؤسسة مؤسف جدا، والدليل على ذلك هو أني لم أحضر لا المؤتمر الأخير للاتحاد، ولا الذي قبله ولأننا في إطار الانفتاح والديمقراطية وفي إطار التعددية، أقول بصراحة عبر هذا المنبر إن طريقة الانتخاب تكون بشكل عشوائي، ولا تتم الانتخابات بطريقة حرة. فكيف يمكن تقبل أن يفرض علينا الرئيس والكاتب العام؟ هذا شيء غير مقبول. أقولها بكل صراحة. أنا أتمنى من هيئة تحرير الجريدة أن تسمح بنشر كلامي هذا، وإذا لم تسمح فأنا سأقوله،  وسبق أن قلته أيضا.
س:محمد زفزاف هو نفسه، واللحية هي نفس اللحية، والكوفية هي نفس الكوفية لكن ماذا عن موقفكم من الأشياء التالية.
س: الشعب المغربي؟
ج: شعب عظيم
س: المرأة؟
ج: كل رجل وراءه امرأة، قد تدفعه إلى النجاح وقد تدفعه إلى الهاوية.
س: مؤسسة الزواج؟
ج: إذا كان هناك توافق لم لا خاصة أن الإسلام قد حل مشكلة الزواج بالطلاق، حتى وإن كان أبغض الحلال عند الله.
س: المسألة الأمازيغي؟
ج: ذاك أمر يهم أصحاب المال من الإخوان الأمازيغيين. إذا أرادوا أن يهتموا بلهجتهم أو لهجاتهم.
س: الحكومة الحالية؟
ج: كما قلت في حوار آخر إنها نواة مغرب الغد.
س: بطالة الخريجين؟
ج: إنه شيء مؤسف حقا.
س: حقوق الإنسان بالمغرب؟
ج: نتمنى أن تحل هذه المشكلة قبل ستة أشهر.
س: الثقافة الشعبية؟
ج: يجب أن تعلمن، وألا تبقى محكومة بالفوضى.
س: السينما المغربية؟
ج: شاهدت أفلاما جيدة لأسماء لا أذكرها، لكني شاهدت تجارب أخرى متعثرة.
س: الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية؟
ج: لا فرق بين الأدب المكتوب بالفرنسية وبين الأدب المكتوب بالعربية، فالمهم هو أن الأدب الجيد يفرض ذاته.
س: ماذا عن زملاء الكتابة؟ محمد شكري
ج: إنه مريض وأتمنى له الشفاء.
س: إدريس الخوري؟
ج: كاتب جيد، ونعتز به.
س: في سؤال أخير، ماذا يمكنكم أن تقولوا للقراء والمثقفين ولباقي الجهات في المجتمع المغربي ؟
ج: أقول يجب الاهتمام بالثقافة، لأن شعبا بدون ثقافة هو في عداد الموتى، كما أقول للدولة  أن تهتم بزرع الأشجار في هذا البلد، وهنا تحضرني كلمة قالها لي أحد الكتاب الليتوانيين (ليتوانيا): غاباتنا هي بترولنا. على المغاربة أن يغرسوا عددا كبيرا من الأشجار إلى جانب اهتمامهم بالثقافة، وعليهم أن يهتموا ببحارهم وأسماكهم التي يسرقها الآخر منا. إني أركز على ضرورة الاهتمام بالثقافة لأن المغرب هو ابن رشد،  وابن خلدون، وابن بطوطة، ولسان الدين بن الخطيب.
حميد اتباتو
حوار أجري  مع الراحل محمد زفزاف سنة 1998 لحساب جريدة الأحداث المغربية، وأعيد نشره رقميا إلى جانب حوارات  مع مبدعين ومثقفين تحت عنوان حديث الاختلاف، وكان ذلك في موقع الكاتب الصديق محمد أسليم الذي تكلف عناء طبع الحوار ونشره آنذاك فساهم في حفظه مشكورا، كما ساهم في توفيره في الذاكرة الرقمية   لناس كثر أعادوا  نشر الحوار ورقيا ورقميان وهو ما نقوم به اليوم إحياء لذكرى الراحل، وتمجيدا لإسهامه الثري في إغناء الكتابة و الإبداع المغربيين.