رأي

مصطفى غلمان: والمثقفون أجراس بلا مطـارق!

يعيش أغلب الفنانين المغاربة، خصوصا منهم الذين يمتهنون فنون التمثيل، وضعا اجتماعيا هشا، يتداعى كلما استجد خطر داهم على فنان أو ممثل، فتتعالى التسخينات الإعلامية، وتعود مطالب تحصين المعنيين من آفات الزمان والفقر والمرض إلى واجهة النقاش، الذي لا يفرق فيه المتبارون على نشر ( أو فضح) حالات من أولئك وهؤلاء، بين التأطير الاداري للعملية، ومحاولة الإنقاذ، التي غالبا ما تجر إلى تثمين التدخلات العشوائية للإحسان والمساعدة وحلول آنية تذهب سدى، بعد قضاء الوتر وتحييد الخطر؟
خلال الأعوام العشرة الماضية، استنزف هذا الاستغراق الهاوي ضجيجا كبيرا وردات فعل غير محسوبة، منها ما كان مشغلا نقابيا صرفا، وأخرى مقصودة لإحراج الساسة الحزبويين، عوض المنظومة المرجعية للحكومة!
متى ينتهي هذا العبث؟
نحن بحاجة لسياسة محكمة، يكون تصريفها لقضايا الثقافة والفنون جزء من صناعة التنمية، وضلعا استراتيجيا لأنساق البناء والدمقرطة، وتأصيل للإواليات التي عن طريقها يمكن المساهمة في صناعة الإنسان فكرا وممارسة وظيفية، ضمن مجتمع قيمي متفتح على التنوع الثقافي والتربوي.
طيلة سنوات ونحن نأمل في أن يجتاز بلدنا محنة تغييب مثقفيه وفنانيه عن المشهد العام للاختيارات السياسية وتدبير الملفات الكبرى لمجتمعنا.
وخلال كل تلك الوقفات المأساوية، التي عززت من تعميق جراحاتنا، صرنا لا نتأسى من وضعيات دراماتيكية مؤلمة لعديد أسماء مرت من هنا وهناك، تستجدي، أو تستنجد، بكائيات واحتراقات وتشوهات، كأننا ننظر بعيون الرحمة والتشفي على ضياع أرواح فقدت تحت طائلة المرض والقهر والفقر المدقع، دون أن نقدر على احاطتها بقليل من العزاء او صادق المواساة في المحن والغربة داخل الوطن، والتغييب القسري؟!
غابت العديد من الوجوه الفنية والثقافية والعلمية، وفي كل مرة نتجهز للتباكي والرثاء، فننفض أوراق الخريف على قارعة الحزن، وبعدها لا تكاد تسمع أصيصا لجوقة العميان.
تلك حقيقة جديرة بالاستعادة والانتقاد، ولم لا، التأكيد الموجب لعلاج هذه الآفة السياسية المستأثرة على مشاهدنا الإعلامية والاعلانية، بقبحها وانسداد افقها، وانشغالها بالهابط والشذوذ والسطحي…
مرة كتبت عن أسباب ضمور الثقافي في قيمنا الحضارية المركزية، واليوم يستدعي العقل والوجدان، استبصار الوعي بهذا الضمور والتهميش واللامعنى!
هل من العقل ترك تعليق الثقافة دون استحضارها، في الوعي الجمعي، في حياتنا اليومية، داخل حجرات الدرس المدرسي والجامعي، في وسائل الإعلام والاتصال، وفي المجتمع المدني، وفضاءات المؤسسات الدستورية، من الأمن والقضاء والصحة ومؤسسات الاستثمار والاقتصاد والمال والاعمال والتجارة الالكترونية… الخ
أليس من الوعي بسؤال التغيير وسيرورة الثقافة وتحولاتها التاريخية والبشرية، أن تعود الثقافة لمشروعها الإنساني والعلمي الحقيقي؟!
أليس من الأجدى بهذه المنظومة البيداغوجية المعطلة بفعل فاعلين، أن تتدبر قوام الحياة الجديدة، وصعودها الحتمي، حتى ترتقي لمكانتها ودورها في توثير أسئلة الثقافة، ووسائل الاتصال والصناعة الثقافية، حتى لا يصير الاستهلاك فقط، ميسم العبور إلى تقشير الفكر والمعرفة، وجعلهما مرتعا للاستبلاد واستنزاف الطاقات، وتحويل المجتمع إلى مجرد عالة على الدولة، التي لن تستطيع التفريق بين فجوة الموت وتغول الجوع الثقافي، مادامت تستجهل قوة الثقافة وراهنيتها في تطوير الحياة وإصلاح مآلاتها.