تحليل

تأثير المادة السادسة من مرسوم الطوارئ الصحية على استئناف عمل المحاكم

عبد العزيز الأحمدي*

منذ إصدار المرسوم بقانون رقم 2.20.293 الصادر بتاريخ 23 مارس 2020 والمنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 24 مارس 2020 المتعلق بحالة الطوارئ الصحية عرف نقاشات قانونية مختلفة من بينها ما أثير حول بداية سريان أثار حالة الطوارئ الصحية بسبب سكوت المشرع عن بيان تاريخ بداية حالة الطوارئ، مكتفيا بالإعلان عن تاريخ نهايتها، وهو النقاش نفسه الذي تم إسقاطه على المادة السادسة؛ بحيث ذهب البعض إلى القول برجعية تطبيق المادة السادسة التي أوقفت سريان مفعول جميع الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل إلى حين رفع حالة الطوارئ الصحية.
ومناسبة هذا المقال هو النقاش الدائر حاليا في الأوساط القانونية بشأن الاستئناف التدريجي لعمل المحاكم في ظل استمرار مفعول المادة السادسة بعد تمديد حالة الطوارئ الصحية للمرة الثالثة إلى غاية 10 يوليوز 2020، بحيث كان من المتوقع أن يتم رفع حالة الطوارئ الصحية بتاريخ 10 يونيو، إلا أن ظروف الحالة الوبائية اقتضت التمديد، مما ترك القرارات المتخذة بشأن عمل المحاكم سارية المفعول، دون أن تجتمع اللجان المشكلة للتشاور في مستجدات قرار المجلس الحكومي، خاصة وأنه كانت هناك مؤشرات تفيد بتمديد حالة الطوارئ، وهي المؤشرات نفسها التي اعتمدت لإعلان خطة استئناف العمل بالمحاكم، بحيث كان من المفروض أن تجتمع وتتشاور بشأن مستجدات المرسوم رقم 2.20.406 القاضي بتمديد حالة الطوارئ الصحية، للأخذ في الاعتبار خصوصية الإجراءات القضائية المتعلقة بالمدد القانونية.
هذا الإغفال من طرف اللجنة صاحبة خطة عودة نشاط المحاكم، سيؤدي إلى إرباك عمل المحاكم، خاصة وان جل القرارات الناتجة عن المحاكم والمرتبطة بالاجالات المتخذة خلال هذه فترة ستكون معرضة للإبطال، وبالتالي ما الجدوى من استئناف عمل المحاكم في ظل سريان  العمل بالمادة السادسة من مرسوم حالة الطوارئ الصحية؟
أولا: أحكام المادة السادسة من مرسوم حالة الطوارئ الصحية
تعتبر أحكام المادة السادسة من بين أهم المقتضيات التي جاء بها مرسوم حالة الطوارئ الصحية من خلال نصها على "وقف سريان مفعول جميع الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل إلى حين رفع حالة الطوارئ الصحية المعلنة، ويستأنف احتسابها ابتداء من اليوم الموالي ليوم رفع حالة الطوارئ المذكورة.
تستثنى من أحكام الفقرة الأولى أعلاه اجل الطعن بالاستئناف الخاصة بقضايا الأشخاص المتابعين في حالة اعتقال، وكذا مدد الوضع تحت الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي".
يتبين من خلال قراءة المادة السادسة أنها تتعلق بتوقيف كل الآجال التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل بصفة عامة، بما فيها الآجال المتعلقة بالعمل القضائي، وتم استثناء أحكام الفقرة الأولى فيما يتعلق بالطعون باستئناف الأحكام القضائية أو طلب نقضها، وكذا جميع القضايا التي يوجد أصحابها رهن الحراسة النظرية أو الاعتقال الاحتياطي.
وبالتالي فصياغة النص واضحة ولا تحتمل أي تأويل أو تفسير يخالف توجه المرسوم الذي ميز بين الآجال المنصوص عليه في الفقرة الثانية، وبين الآجال المشار إليه في الفقرة الأولى، وبالتالي فإن وقف سريان مفعول الآجال سوف ينطبق على كل الآجال بمختلف أصنافها المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية المعمول بها في الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية.
 وتجدر الإشارة إلى أن المادة 6 تتميز بالوقتية سينتهي أثارها بانتهاء مسببات وجودها التي اقتضتها المصلحة العامة، وبالتالي لا يهم أن تكون ماسة ببعض الحقوق، فاعتبارات حالة الطوارئ الصحية تبرر ذلك، كما أن طبيعتها قانونية وليست تنظيمية، تتسم بالعمومية والتجرد، فهي ملزمة التنفيذ والتطبيق وعلى الجميع احترامها والتقيد بها ولا تميز بين منطقة التخفيف ومنطقة التشديد، فهي إما تطبق أو لا تطبق، ذلك أن الآجال القانونية لا علاقة لها بالمجال الترابي.
من ثمة فإن مقتضيات المادة السادسة ستكون لها أثار سلبية على استمرار عمل المحاكم، فأين يتجلى ذلك؟
ثانيا: أثار المادة السادسة على عمل المحاكم
من الواضح أن استمرار عمل المحاكم في ظل سريان المادة السادسة المذكورة أعلاه سيؤثر سلبا على القرارات القضائية، ذلك أن العمل الإجرائي للمحاكم له ارتباط وثيق وتأثير مباشر على المراكز القانونية المتعارضة، وهو ما قد ينشأ عنه مجموعة من المنازعات ما سيؤثر على استقرار المعاملات والأمن القانوني، ذلك أن العمل القضائي يرتبط في جزء كبير منه بالمساطر السابقة واللاحقة على الحكم أو القرار.
استئناف المحاكم نشاطها في ظل المادة السادسة يعني أن عمل المحاكم سيظل ناقصا ومعرضا للبطلان لارتباطه بآجال محددة قانونا لا يجوز مخالفة أحكامها، وهو ما يستحيل احترامها مع وجود المادة السادسة.
أول إشكال يثار في هذا السياق هو مقتضيات الفصل 40 من قانون المسطرة المدنية الذي يلزم المحكمة أن تحترم اجل خمسة أيام بين تاريخ التبليغ مقال الدعوى للمدعى عليه  وتاريخ انعقاد الجلسة، واجل خمسة أيام سيظل خاضعا لمقتضيات الفقرة الأولى من المادة السادسة، وبالتالي فالأثر القانوني لهذا التوقف يؤدي بالضرورة إلى توقف الجلسة التي ستعرض فيها تلك القضية؛ وهذا ينطبق على جميع القضايا مهما كانت طبيعتها. إضافة إلى صعوبة تنقل الأفراد من اجل حضور الجلسات تفعيلا للمادة 3 من مرسوم حالة الطوارئ الصحية.
وبالتالي فالتبليغ لن يكون له أي اثر لان أجال التبليغ لن يسري في حق المعني بالأمر المبلغ تبليغا قانونيا إلا بعد رفع حالة الطوارئ الصحية، وأي حكم أو قرار يصدر عن الجلسات المنعقدة في الوضع الراهن سيكون معرض للبطلان.
وهو ما ينطبق  أيضا على أجال الطعون باعتبارها المواعيد التي بانقضائها يسقط الحق في الطعن في الحكم أو القرار، وعدم احترام الآجال المحددة قانونا تؤدي إلى سقوط الحق في الطعن، وهذه الآجال لا تسري إلا بناء على تبليغ قانوني صحيح، ما يعني أن الآجال لا يسري بوجود المادة السادسة إلا بعد رفع حالة الطوارئ الصحية.
نفس الآثار ينطبق على باقي الإجراءات القضائية المرتبطة بإلزامية احترام الآجال القانونية كالخبرة والتنفيذ الذي يستحيل القيام به إلا بعد التبليغ ومرور الآجال القانوني للطعن، فبعد التبليغ يتوقف الآجال ولا يسري إلا بعد رفع حالة الطوارئ الصحية.
يتبين مما سبق ذكره أن المادة السادسة واجبة التطبيق من طرف الإدارة القضائية كما هو حال باقي الإدارات والمؤسسات العمومية، والتقيد بمقتضياتها تفرضه دواعي المصلحة العامة، ولا يجوز التوسع في تفسير هذه المادة والبحث عن مبررات لتجاوز أحكامها، كالقول بتطبيق الفصل 49 من قانون المسطرة المدنية الذي يحدد في الفقرة الثانية حالات البطلان والإخلالات الشكلية والمسطرية التي لا يقبلها القاضي إلا إذا كانت مصالح الطرف قد تضررت فعلا، لان المادة المذكورة مرتبطة بحالة الطوارئ الصحية، بحيث يستحيل وضع حد لمفعولها، بحيث ليس هناك من حل ولا يمكن تجاوز هذا الإشكال إلا عن طريق تعديل المادة السادسة أو إلغائها.
*دكتور في الحقوق / باحث في القانون العام