رأي

محمد الطالبي: الدار البيضاء في قلب المعركة .. لفتيت يعلن بداية الحرب على الفساد

شكل تدخل وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت في البرلمان لحظة ذات رمزية كبيرة في مواجهة المفسدين ونهبي المال العام والأراضي. الخطاب ألقاه أمام عدد من أعضاء لجنة الداخلية، الذين يشغلون في الوقت نفسه مناصب منتخبين في الجهات والأقاليم ومجالس العمالات، بحضور وازن للولاة والعمال المرافقين للوزير، ما يمنح التصريحات بعدًا مؤسساتيًا ورسميًا غير مسبوق.

اختيار هذا التوقيت الدستوري ووجود هؤلاء المسؤولين يعكس أن الخطاب لم يكن مجرد تصريح إعلامي، بل إشارة واضحة إلى أن الدولة مؤسساتيًا ملتزمة بمساءلة كل من تجاوز القانون. وقد تم التطرق بشكل صريح إلى الدار البيضاء، باعتبارها المدينة التي انطلقت فيها عمليات المساءلة، ما يعكس ما يتردد حول وجود لجان وتقارير تُعد بعناية ودقة وسرية لتتبع المخالفات وإعادة الحقوق المستولى عليها.

كما حمل الخطاب رسائل مزدوجة، من بينها التحذير المباشر للمخالفين، حيث قال الوزير حرفيًا: “اللي دا شي أرض أو شي درهم تاع الجماعات الترابية من الأحسن يردها قبل ما نوصلو معاه خزيت كل من اخد اي شبر ارض او اي درهم وجب ان يعيده من وادا لم يعده غادي ارجعو بزز”. هذه الكلمات تعكس اللغة الحازمة والدقيقة التي استخدمها لفتيت، والتي تمنح الجميع إشعارًا واضحًا بأن الفساد لن يمر دون مساءلة، وأن الدولة مستعدة للتحرك على كافة الأصعدة القانونية والمؤسساتية.

ورغم وضوح خطة وزارة الداخلية، يبدو أن بعض الأطراف الحكومية الأخرى مترددة أو متحفظة على محاربة الفساد بشكل فعلي. ذلك يتضح من تعطيل أو تأجيل تشريعات مهمة مثل قانون محاربة الإثراء غير المشروع، وقانون “من أين لك هذا”، والرفع من قيمة الضريبة على الثروة، فضلاً عن محاولات تقنين قيود على دور المجتمع المدني ومنعه من الترافع في مواجهة الفساد وناهبي المال العام بدعاوى متكررة وغير دقيقة. هذه السياسات، وإن لم تعلن رسميًا، تؤكد استمرار غض الطرف عن بعض أشكال الفساد، وهو ما أصبح يشكل مطلبًا شعبيًا ملحًا. من بين الأمثلة العملية على ذلك التأجيل المتكرر لقانون “من أين لك هذا”، الذي كان يفترض أن يفرض شفافية على مصدر الثروات الكبيرة للمسؤولين، وتأخير المصادقة على مشروع قانون تجريم الإثراء غير المشروع، وهو القانون الذي يتيح مساءلة الأشخاص الذين يمتلكون ثروات غير مبررة قانونيًا، بالإضافة إلى محاولات تعديل قوانين الصحافة والنشر لتقييد قدرات الجمعيات ووسائل الإعلام على مراقبة الفساد ومساءلة المسؤولين تحت حجج شكلية أو تنظيمية.

تصريحات لفتيت، المنقولة مباشرة للشارع المغربي، تأتي استجابة لمطالب الشباب والأحزاب والمجتمع المدني، وتؤكد أن الفساد والمفسدين لا مكان لهم في أي مشروع تنموي، وأن استعادة الأموال والأراضي العامة جزء من جهود الدولة لضمان تنمية سليمة ومستدامة.

خطاب الوزير يعكس جديته في القطع مع الممارسات المخالفة، ويضع الجميع أمام خيار واضح: التعاون الطوعي لاسترجاع الحقوق، أو مواجهة المحاسبة القانونية في فضاء القضاء والمحاكم، حيث لا حصانة لأحد. هذه اللحظة في البرلمان تعد رمزًا لمؤسسة الدولة في مواجهة التغول المالي والعقاري غير المشروع، وتؤكد أن العمليات بدأت فعليًا في الميدان، بخطط دقيقة وسرية لمحاسبة المسؤولين .