تحليل

لماذا انسحبت الجزائر من التصويت على قرار مجلس الأمن بشأن الصحراء؟

عبد الهادي مزراري

أخيرا صدر قرار عن مجلس الأمن الدولي يحمل رقم 2797 بشأن قضية الصحراء يغير مسار النزاع بزاوية 180 درجة. بينما كان الملف يتأرجع بين الأمم المتحدة ومجلس الأمن باتجاه إعطاء شرعية ما لجبهة البوليساريو لبلوغ السيادة على الصحراء باعتبارها طرفا في القضية، جاء القرار الجديد لينزع عنها هذه الشرعية ويقطع الطريق في وجهها حتى لا تظل تحلم بالوصول إلى أراضي الصحراء إلا من باب المقترح المغربي المتعلق بحكم ذاتي تحت السيادة المغربية.

من غريب الصدف أن الجزائر وهي الراعي الوحيد لجبهة البوليساريو تتولى مقعدا داخل مجلس الأمن ضمن العشرة أعضاء غير الدائمون، وهو ما شكل لحظة تاريخية لمحاكمتها على دورها في خلق مشكل الصحراء ورعايته والمساهمة في استدامته لخمسة عقود.

قبل التطرق لأسباب هروب الجزائر من التصويت على القرار الجديد، لا بد من شرح مضمون القرار بطريقة تزيل اللبس والغموض.

القرار الجديد جعل من مبادرة الحكم الذاتي "السكة" التي يتعين على قطار "المفاوضات" أن يسير فوقها، وأن "السيادة المغربية" على الصحراء هي محطة الانطلاق، بينما "التوصل لاتفاق لإنهاء المشكل" هو محطة الوصول.

مسار الرحلة هاته لم يعجب الجزائر لأنه ينهي دورها باللعب على مسألة "الشرعية الدولية"، لذلك عملت كل ما في وسعها للحيلولة دون صدور هذا القرار.

حتى اللحظات الأخيرة من يوم 31 أكتوبر 2025، أجرت الجزائر سلسلة من الاتصالات، خاصة مع موسكو وبكين وإسلام أباد، طمعا في أن تقوم إحدى الدولتين (الصين أو روسيا) باستخدام حق النقض الفيتو ضد مشروع القرار الذي صاغته الولايات المتحدة الأمريكية وبات يشكل كابوسا للنظام الجزائري.

لكن أيا من روسبا والصين لم يستخدما الفيتو ضد مشروع القرار وسمحتا بمرروه للتصويت، وعند التصويت لم يصوتا برفضه، ولكن اكتفتا بالامتناع عن التصويت.

وهو الموقف نفسه الذي اتخذته باكستان بسبب عاملين أساسيين يتعلقان بوضعها الوطني، العامل الأول هو المشكل القائم بينها وبين الهند حول منطقة كاشمير، والعامل الثاني هو التزامها بالتنسبق مع الصين التي شكلت ذرعها الأمني في الحرب مع الهند.

لذلك جاءت نتيجة التصويت على الشكل الثالي:

المؤيدون: 11

الممتنعون: 3

المعارضون: 0

المنسحبون: 1

الآن يطرح السؤال لماذا تجنبت الجزائر تسجيل موقفها ضمن أحد الخانات الثلاث الأولى (التأييد، المعارضة، الامتناع)؟.

في حال التصويت ب "التأييد"، ستكون قد ناقضت موقفها الداعم لجبهة البوليساريو وخانتها على المباشر من منبر مجلس الأمن.

في حال التصويت ب "الرفض"، ستكون أعلنت معارضتها لقرار مجلس الأمن الدولي، وهو ما يشكل وسيلة إثبات لإدانتها بعدم الامتثال لنص القرار الذي يدعو الجزائر بصفة رسمية "كطرف أساسي" ضمن الاطراف الاخرى في النزاع للتفاوض من أجل بلوغ حل نهائي لمشكل الصحراء على أساس حكم ذاتي تحت السيادة المغربية.

في حال التصويت ب "الامتناع"، تكون الجزائر عبرت عن موقفها بالسماح للقرار بالمرور دون إبداء أي موقف، وهو ما يحملها في كل الأحوال مسؤولية الحضور والمشاركة.

تهربت الجزائر من تبعات هذه الخيارات واختارت عدم الحضور في وضعية تحاكي النعامة التي تغرس رأسها في رمال الصحراء كأنها لا تسمع ولا ترى شيئا.

لكن سياسة النعامة بدورها لها آثار ترتد على صاحبها في المحطات التي تستدعي مواقف ثابتة وواضحة، وهو ما يبدو أن الجزائر غير مستعدة تماما إليه، لأنها بعد صدور القرار الجديد أصبحت كل تصرفاتها مكشوفة ودون غطاء، ولم تعد أحجية موقفها الحيادي من نزاع الصحراء تنطلي على أحد.

لذلك ليس أمام الجزائر إلا طريق واحد من إثنين: إما أن تنصاع لقرار مجلس الأمن الدولي، وتنخرط في مسار مفاوضات تؤدي إلى اتفاق في إطار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. وإما أن تمتنع عن ذلك وتضع نفسها في مواجهة مع الشرعية الدولية ومجلس الأمن.