رأي

إدريس الأندلسي: الجزائر و التاريخ وسراب المحيط الأطلسي

 

تعبت الجزائر كثيرا من جراء طموحات طبقة سياسية دخيلة علىالتاريخ  و السياسة  و الأخلاق. فهمت فرنسا أن بقائها في أرض ورثتهاعن الايالة العثمانية لم تعد ذات جدوى على المدى الطويل . فهم الجنيرال ديغول أن هذاالحمل " من الاعباء ثقيل  ومخيف" كما قال الشاعر مظفر النواب ، و أن الإستمرار في تدبير إرث عثماني قديغير كثيرا من المعطيات الديمغرافية قد تصل إلى بلدته المسماة " كولمبي لي دواجليز "  إشارة إلى كنيستين . قال إنهلا يريد أن تتحول بلدته التي تعرف بكنيستيها الاثنتين إلى  بلدة قد تصبح معروفة بمسجدين.  و قبل أن يتم إتخاذ قرار إستقلال الجزائر، و ترك الجمل بما حمل، قررت فرنسا أن تكلف بأمرتدبير اخطاءها التوسعية، ضد ليبيا  وتونس  و المغرب  و مالي و النيجر،  بعض أطر الجيش الفرنسيالذين احكموا قبضتهم على التركة التاريخية الفرنسية بالجزائر.  اغتال هؤلاء أغلب قيادات الثورة،  و نظموا الجنائز الوطنية ، و " عقدواالعهد أن تحيا الجزائر ". ترك لهم جنيرالات فرنسا قصورا  و سلاحا  و قوات ردع،  و كثيرا من الشعارات. قتلوا كل الوطنيين  و كان آخرهم، المغدور " بوضياف " بعد " عميروش  المناضل  ، و المحامي علي مصيلي  الذي  حلم بوطن  حقوق الإنسان  ،  ومحمد  خيضر الذي كان  ضحية غدر  أبناء  الإستعمار و عبان  رمضان،  و كريم  بلقاسم  و كثير  ممن  سقط برصاص  الكابرانات،  أبناء خدام الإستعمار.  و ألقى المغدور  بوضياف  نظرة على  فريق  الاغتيالات قبل  أن  يسلم روحه  لمن  سيحاسب مهندسي  الخيانات.

  و هكذا تحول المواطن الجزائريالذي  كان من  المنتظر  أن يكون من أغنى مواطني أفريقيا و العالم العربي، نظريا،  بفضل خيرات بلاده من المعادن  و البترول و الغاز، إلى مواظب على كل مشاهد المعاناة المتمثلة في الطوابير من أجلأرز  و زيت  و حليب  و سكن  وأمن.

و قال كثير من مفكري الجزائر و وزراءها السابقون أن بلادهم تعيش أزمة تاريخية معقدة جدا. قال أحدالوزراء أن الجزائر تعيش على هامش التاريخ، و لا قدرة لها على الإيمان الحقيقي بهويةوطنية ، لا توجد إلا في مخيلات من يسيطرون على القرار السياسي،  و أموال بيع الموارد الطبيعية،  و من يمتلكون مفاتيح السجون،  و اقنان الحسابات البنكية في سويسرا،  و  مفاتيح الدخول لكل الجنات الضريبية.  و ظل أبناء فرنسا أوفياء لمن ارضعتهم كل قيم التنكرللتاريخ،  و العيش على إنكار كل عمل ساندالأوفياء، من بينهم، على بناء وطن.  و لكندم المستعمر سرى فيمهم مسرى السم في العروق. نسيت قيادة الجزائر، بعد  1962 ، كلالصلات،  و انصاعت لكي تسجد لصانعيها ، ولكي تعيش في مستنقع الغدر. و لا زال الكابرانات ينهشون أجسامهم،  و يلقون، بعضهم البعض،  في سجون بناها الإستعمار لكي يمنحهم قدرة على تدميرهملماضيهم بعنف تجاوز عنف فرنسا  و ملوكالعثمانيين ، و لم يفهموا حكمة المرابطين و الموحدين و كل الشرفاء الذين عاملوهمبالحسنى و بكثير من الإيمان بالمستقبل المشترك حتما .  و هكذا سيستمر من لا زالوا يبحثون عنهوية،  على مكان في التاريخ    ، وملجأ في صفحات الوثائق التي  لم تثبت وجودا لهم معترفا به.

و لأن الفاقد للشيء لا يعطيه، تواصل مسلسل البحث عن هوية في تاريخ لا يعترف بالكراغلة  الذين يعيشون على جغرافيا من صناعة عساكرفرنسا.  و لتبديد الشك وجب اللجوء إلى الوثائقالتاريخية الفرنسية التي كتبها من صنعوا الحدود و اغتالوا العهود،  و لم ينكروا أن بلادالمغرب تشهد عليها ثقافة معمارية  و أرشيف يوثقحدودها  و ثقافتها منذ قيام إمبراطوريةالمرابطين  و الموحدين  و بنو مرين و العلويين و كل من شهد بصدق تاريخي موثق  على ما أحاط بحدود المغرب من سطوة استعماريةرسمت خارطة ارتضاها أبناء فرنسا الجزائريون الذي اغتالوا المجاهدين الحقيقيين.

و سيظل  المتسللون  إلى  بيتالتاريخ، مجرد باحثين عن مكان في شرعية الزمان الحضاري الموثق بالفعل المعماري، وبالحضور العلمي. و سيسجل التاريخ أن أموال الشعب الجزائري البترولية تم تسخيرها لخدمة اقلية لتشتري السلاح،  و لتكون صندوق الرشاوي الفاعل في شراء بعضالأصوات داخل بعض المنظمات الدولية. اندحر القرار بفعل فضائح محاولة إعادة صنعالقرار.  و ضاعت أموال الشعب الجزائري الذيكان  و لا زال، من حقه،  أن يعيش في ترف مثل شعب الإمارات  و كل دول الخليج.

حاولت طغمة الإرشاء ،في قلب العاصمة الجزائرية،  صنع قرار دولي يدين إرادة المغرب في الحفاظ علىوحدته الترابية.  حاولوا  و اجتهدوا و تمدد كرمهم الحاتمي إلى تمويل عمليات قمار عملاءهم، من صحراوي المغرب، المغرربهم،  في فنادق أديس أبابا  و نيروبي. و لن أنكر شهادات من رأوا عن قربإدمان هؤلاء على سهر  مؤدى عنه.  القضية بالنسبة للجزائر حيوية  و الأصل في تبنيها مصلحة عليا لن تتجسد إلابالسيطرة على جزء كبير من الأراضي المطلة على المحيط الأطلسي.

توالت بعثات الأمم المتحدة  وتبين بالملموس أن الجزائر لا تهتم بأي حل سلمي و واقعي لقضية الصحراء.  و أستمرتفي مهاجمتها للتاريخ  و لحق المغرب فيوحدته الترابية.  و كان القرار المغربي هودعمه  لعمل للأمم المتحدة و لبعثة(المينورسو) "التي تسعى لإنجاح الجهود الأممية الرامية إلى حل سياسيلهذا النزاع  الشائكوالقائم منذ عام 1975، وذلك بإيجاد صيغة توافقية نهائية بشأن وضعية الحكم فيالمنطقة".    وصل جوهانس مانس، الدبلوماسي السويسري،الذي عينه الأمين العام  خافييربيريز دي كويلار كممثل خاص  بتاريخ 29 أبريل/ 1990 وظل في هذه المهمة حتىديسمبر/كانون الأول 1991. و تواصلت الجهود الأممية مع تعيين   الباكستاني،  صاحب زاده يعقوب خان، الذي عينه الأمين العامالأسبق  الراحل بطرس غالي في سنة 1992 كممثلله ، وانتهت مهمته في غشت 1994.  ثم تم تعيين ممثل آخر  إلى غاية 1997، الذي  شهد  عهده،  محاولة  عملية"تحديد الهوية" و التي شهدت أيضا رفضا جزائريا لإحصاء الصحراويين،  و أدت إلى تجميد عملية تحديد من له الحق فيالتصويت. و جاء جيمس بيكر، صاحب المناصب الكبرى في حكومات أمريكية بين  1981 و 1993 ،  والذي قدم خطة للحكم الذاتي كتسوية للنزاع . و تكسرت خطة بيكر على صخرة " من له الحقفي التصويت في الاستفتاء و على المعايير التي تحدد هوية المصوتين ". و توالى مسلسلتسمية ممثلي الأمين العام للأمم المتحدة دون تسجيل أي تقدم. مر من  هذا المسار بيتر فان فاسوم  الذي حاول،دون  نتيجة تؤدي إلى  تنظيم محادثات بين  أطراف النزاع خلال الفترة الممتدة من 2005 إلى  2007 . و قد صرح  فالسوم في 2008 ،عند إنتهاء مهمته أن "  خيار الاستقلال الذي تطالب به البوليساريو"خيار غير واقعي"، وأن خيار استفتاء تقرير المصير الذي طـرح سابقا"أمر تجاوزه الزمن " . و لم تستمع بعض الدول لهذا الرأي الحكيم  الذي أصبح اليوم هو المشروع المقبول عالميا. و تبين لمجلس الأمن أن الجزائر  صاحبة القرار في زمرة صنيعتها البوليساريو، لاتريد الا حلا واحدا يفضي إلى سيطرتها على الصحراء المغربية  و الولوج إلى المحيط الأطلسي. و سيظل العدوالأكبر لمن يحكمون الجزائر، بدون شفقة على مقدرات شعبها، هو ذلك المشاغب الذي لايستسلم لهواهم، لأنه التاريخ العنيد  والذي يفضح من يحاول تزويره. و لهذا لا يمكن أن يتجه طغاة الجارة الشرقية إلا إلىملاحقة السراب مهما تم تزوير المسببات  والأسباب.

 

 01