انتهج المغرب في عهد الملك محمد السادس دبلوماسية تضامنية مع البلدان الإفريقية ، حيث تم اتخاذ العديد من المبادرات، من أهمها إلغاء ديون بعض البلدان الإفريقية الأقل نمواً، وإعفاء بعض المنتجات المستوردة من بعض البلدان الإفريقية من الرسوم الجمركية، وتقديم منح دراسية لفائدة الطلبة الأفارقة، وغيرها واستقبال المملكة المغربية أخيرا لأزيد من 20 ألف طالب إفريقي للدراسة في مختلف المعاهد والجامعات المغربية، واعتماد سياسة ملائمة في مجال الهجرة مكَّنت من تسوية وضعية أزيد من 50.000 مهاجر من بلدان القارة الإفريقية منذ سنة 2014 من منطلق الحرص على تعزيز الروابط والتضامن العربي مع الدول الإفريقية الصديقة، و استفادة الأفارقة من مركز محمد السادس للعلماء الأفارقة، ومعهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات بالمملكة المغربية، واستضافة المملكة لمكتب برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والتدريب بإفريقيا.رحلات المغرب
إن الرؤية الاستراتيجية الملكية للتعاون الإفريقي التي عملت دوما على إيجاد سبل للتفكير وللمبادرات المبتكرة، من خلال جعل المغرب نموذجا في مجال تعزيز التعاون جنوب – جنوب.
ومن اجل صياغة رؤية مشتركة للدفاع عن المصالح الاستراتيجية لإفريقيا، وجعل الفضاء الأطلسي، كهوية جيو استراتيجية قائمة، ومجالا للتعاون المتعدد الأطراف تحقيقا للمصالح العليا للدول الإفريقية الأطلسية. بادر المغرب في 2022، إلى تنظيم الاجتماع الوزاري الأول لدول إفريقيا الأطلسية الذي شاركت فيه 21 دولة تطل على المحيط الأطلسي. ومن أهداف هذا الاجتماع الوزاري بلورة رؤية إفريقية مشتركة حول هذا الفضاء الحيوي، والنهوض بهوية أطلسية إفريقية والدفاع بصوت واحد عن المصالح الاستراتيجية للقارة. وتمحورت أشغال الاجتماع الوزاري حول ثلاثة محاور يتعلق المحور الاول بـالحوار السياسي، والأمن، والسلامة، و المحور الثاني بالاقتصاد الأزرق والربط، والمحور الثالث بالبيئة والطاقة.رحلات المغربالاشتراك في خدمة أخبار مالية
الأهداف الاستراتيجية للمبادرة الملكية الأطلسية
أعلن الملك محمد السادس في الخطاب السامي بمناسبة الذكرى الـ 48 للمسيرة الخضراء عن الاستراتيجية الملكية الأطلسية باعتبارها منصة جديدة لتحقيق الاقلاع الاقتصادي للمملكة عبر الواجهة الأطلسية إذ توفر هذه المبادرة الملكية إمكانات غير مسبوقة، من شأنها تقديم حلول مناسبة لتعزيز الاندماج والتعاون الإقليميين، والتحول الهيكلي لاقتصادات هذه الدول الشقيقة وتحسين الظروف المعيشية لساكنة دول الساحل والصحراء في إطار مقاربة مبتكرة ومندمجة لتعزيز استقرار وأمن المنطقة.
وتحرص هذه المبادرة الملكية على تأهيل المجال الساحلي وطنيا، بما فيه الواجهة الأطلسية للصحراء المغربية، وكذا هيكلة الفضاء الجيو – سياسي على المستوى الإفريقي .فالفضاء الأفرو-أطلسي والساحل يمثل 46 في المئة من الساكنة الإفريقية و55 في المئة من الناتج الداخلي الخام و57 في المئة من التجارة القارية.
والأهداف الاستراتيجية لهذه المبادرة الأطلسية هو تحويل الواجهة الأطلسية إلى فضاء للتواصل الإنساني والتكامل الاقتصادي ، والإشعاع القاري والدولي. وكذا تسهيل الربط ، بين مختلف مكونات الساحل الأطلسي ، وتوفير وسائل النقل ومحطات اللوجستيك بما فيها تكوين أسطول بحري تجاري وطني، قوي وتنافسي. وإقامة اقتصاد بحري ، يساهم في تنمية المنطقة، ويكون في خدمة ساكنتها، اقتصاد متكامل قوامه، تطوير التنقيب عن الموارد الطبيعية في عرض البحر؛ ومواصلة الاستثمار في مجالات الصيد البحري ؛ وتحلية مياه البحر، لتشجيع الأنشطة الفلاحية، والنهوض بالاقتصاد الأزرق ، ودعم الطاقات المتجددة.
فالإقلاع الاقتصادي بدأت أولى بوادره عبر إطلاق مشاريع مهيكلة كالطريق السريع تيزنيت الداخلة الذي يمتد لأزيد من 1055 كلم، إذ أصبح المغرب، بفضل الخط السككي فائق السرعة، أول بلد إفريقي لديه قطار بسرعة 320 كيلومترا في الساعة، وميناء الداخلة الذي يعد جوهرة حقيقية لنموذج التنمية الجديد للأقاليم الجنوبية،الذي تتقدم أشغاله بوتيرة كبيرة والذي سيكون له نشاط أكبر مع ميناء نواديبو بموريتانيا مما يحقق دفعة جديدة للاقتصاد الوطني والموريتاني ومستقبلا السينغالي وتحقيق نهضة تنموية تعود بالنفع العميم على مواطني البلدين الشقيقين .
وفي هذا الإطار، تفتح المبادرة الملكية المجال أمام بلدان الساحل ، التي ليس لها منفذ على المحيط الاطلسي، للولوج إلى البنيات التحتية الطرقية والمينائية للمملكة سواء التي حضرت في الاجتماع الوزاري بمراكش مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد او البلدان التي لها منفذ على المحيط الأطلسي كموريتانيا و السينغال باعتبارهما شريكيين تقليديين للمملكة حيث يعتبران بلدين معنيين أيضا بهذه المبادرة الاستراتيجية الملكية لانها ستجعل منهما منخرطتان في الدينامية الجديدة التي ستعرفها المنطقة ككل.
لذا، فإن هذه المبادرة الاستراتيجية الملكية من شأنها دعم شركاء الساحل قصد تحرير القدرات الهائلة التي تزخر بها، وبالتالي تسريع النمو والتنمية المستدامة والشاملة لاقتصادات المنطقة. وبالتالي المساهمة في اقلاع افريقيا جديدة، إفريقيا قوية وجريئة تتولى الدفاع عن مصالحها، ومؤثرة في الساحة الدولية على اعتبار ان منطقة الساحل ظلت دائما في صلب السياسة الخارجية للمملكة المغربية.
وإذا كانت الواجهة المتوسطية ، تعد صلة وصل بين المغرب وأوروبا ، فإن الواجهة الأطلسية هي بوابة المغرب نحو افريقيا، ونافذة انفتاحه على الفضاء الأمريكي من خلال استثمار مجموعة من المشاريع الأطلسية –الافريقية الأخرى وخاصة المشروع الاستراتيجي لأنبوب الغاز المغرب – نيجيريا باعتباره مشروع للاندماج الجهوي، والإقلاع الاقتصادي المشترك، وتشجيع دينامية التنمية على الشريط الأطلسي.
لذلك، تعد هذه المبادرة الاستراتيجية الملكية فرصة للاعتراف بحقوق وقيم البلدان غير المطلة على الساحل في الاقتصاد العالمي وتحفيز إمكانياتها الهائلة بالاعتماد على سياسة هيكلية للاندماج فيه إذ تهدف إتاحة فرص كبيرة للتحول الاقتصادي للمنطقة برمتها، بما ستسهم فيه من تسريع للتواصل الإقليمي وللتدفقات التجارية ومن ازدهار مشترك في منطقة الساحل.
الإشادة الدولية بالمبادرة الملكية الأطلسية :
أشاد مؤتمر القمة الـ15 لمنظمة التعاون الإسلامي التي انطلقت أشغالها السبت 4 ماي 2024 بالعاصمة الغامبية بانجول في البيان الختامي بالمبادرة الملكية الاطلسية الافريقية كمسار لشراكة إفريقية هدفها تعزيز روابط التعاون والاندماج بين الدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي، بغية توطيد السلام والاستقرار والازدهار المشترك في المنطقة.كما ثمنت هذه القمة المبادرة الملكية الهادفة إلى “تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي، والتأكيد على الأهمية الإستراتيجية لهذه المبادرة التي تندرج في إطار التضامن الفاعل للمغرب مع البلدان الإفريقية الشقيقة عموما ومنطقة الساحل على وجه الخصوص”.
كما أشاد مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري بمبادرة “الدول الإفريقية الأطلسية” التي أطلقها الملك محمد السادس، كمسار لشراكة إفريقية هدفها تعزيز روابط التعاون والاندماج بين الدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي، بغية توطيد السلام والاستقرار والازدهار المشترك في المنطقة.
و أشاد مجلس التعاون الخليجي من خلال امينه العام في مارس 2024، بالمبادرة الملكية الأطلسية لفائدة دول الساحل. بمناسبة انعقاد الاجتماع الوزاري المشترك المغرب – مجلس التعاون الخليجي، إن دول المجلس تشيد بمبادرة جلالة الملك الافريقية الأطلسية التي من شأنها تعزيز التعاون بين بلدان الساحل والدول المطلة على الأطلسي.
وأشاد المشاركون في الاجتماع السنوي لمجموعة الدراسات والأبحاث حول البحر الأبيض المتوسط، في أكتوبر 2024، بالرباط، بأهمية أهمية المبادرة الملكية لتعزيز ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي ودورها في تعزيز التكامل الإفريقي.
و قد أشاد بالمبادرة الأطلسية رؤساء الوفود المشاركة في اجتماع المؤتمر الوزاري حول التعاون في مجال الصيد البحري بين الدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي، من أجل قارة مندمجة ومزدهرة، ومن أجل تعاون جنوب – جنوب قائم على التضامن والعمل والمشترك.
باعتبارها مبادرة ملكية “واقعية” و”استراتيجية للغاية، معتبرين أن الرؤية تدل على تمسك الملك محمد السادس المتين بتجذر المملكة المغربية في عمقها الإفريقي وعملها من أجل الوحدة الإفريقية.
تحديات المبادرة الأطلسية الافريقية
إن تحقيق هذه المبادرة الأطلسية رهين بانخراط باقي دول المنطقة فيها؛
إن البلدان الإفريقية مطالبة اليوم باستغلال التغيرات المتسارعة العالمية التي قد تتمخض عن ميلاد نظام عالمي جديد مبني على التعددية بدل الأحادية و تعزيز التكتلات الاقتصادية الإقليمية و الدولية لذلك ينبغي تعزيز التكتلات الإفريقية والتعاون الاقتصادي جنوب – جنوب وفق معادلة المصالح المتبادلة والانخراط في المشاريع الاستراتيجية والهيكلية الجادة الهادفة إلى تحقيق الاستقرار والازدهار لفائدة شعوب القارة؛
إن ضعف الناتج الإجمالي المحلي لمجموعة الدول، مالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو وموريتانيا يعد تحديا كبيرا من شأن المبادرة تتيح فرصة سانحة للتكتل الاقتصادي ؛
يعد التحدي الأمني مهم أمام تفعيل هذه المبادرة كون هذا الفضاء الافريقي فضاء للجريمة الدولية المنظمة، من تجارة المخدرات والهجرة غير الشرعية إلى تجارة البشر و الإرهاب؛
ان تداعيات التغير المناخي في هذا الفضاء الافريقي الذي يسبب في المناطق الريفية حالات متزايدة من الجفاف والفيضانات وانحسار التربة الذي يهدد سبل العيش الزراعية ويساهم في النزوح القسري؛
إن الصراعات الإثنية تحديا واقعيا ، فمالي، على سبيل المثال، تضم أكثر من اثنتي عشرة إثنية، بعضها يسعى للانفصال، كالطوارق والأزواد. كما تتقاسم دول المنطقة العديد من القبائل مثل “الهوسا” بين دول السودان وتشاد وأجزاء من النيجر، وقبائل “الطوارق” بين مالي، والنيجر، وتشاد، وموريتانيا، وقبائل “الفولاني”، بين نفس الدول؛
إن هشاشة البنية السياسية والاقتصادية والأمنية والبنية التحتية، في ظل غياب أنظمة ديمقراطية؛
وفي ضوء هذه التحديات، يمكن القول بأن نجاح المبادرة الأطلسية الملكية رهين بمراعاة تلك التحديات ومحاولة تجاوزها.
مقترحات تفعيل المبادرة الأطلسية الافريقية
ان القواسم الدينية والروابط الروحية بين المغرب ودول الساحل، التي تشكل قاسما مشتركا يضفي بعدا إنسانيا على التعاون بين المملكة وشعوب المنطقة في مختلف المجالات؛
إن تجربة المملكة المغربية في البنى التحتية المينائية و السككية لتصبح اليوم من بين الأحدث والأكثر تطورا، حيث تسعى الرباط إلى تقاسمها مع أشقائها داخل القارة الافريقية؛
العمل على تشجيع أبحاث و دراسات أكاديمية و جامعية في الماستر و الدكتوراه تتناول مواضيع حول الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.. للدول الإفريقية المعنية بالمبادرة الأطلسية و العلاقات فيما بينها ؛
تفعيل مبادرة تأسيس “المرصد البرلماني للجنوب العالمي من أجل التنمية المستدامة للمنتدى البرلماني جنوب جنوب” بشراكة مع برلمان البحر الأبيض المتوسط، وذلك في إطار تنزيل قرارات الإعلان الختامي للمؤتمر البرلماني للتعاون جنوب – جنوب المنعقد بالرباط في فبراير 2024.
الانفتاح على جميع الدول الافريقية التي لا تطل على المحيط الأطلسي بما فيها الجزائر في إطار اليد الممدودة لها بغية الجلوس معها في مائدة مستديرة لتداخل ماهو اقتصادي بما هو سياسي ولإقناعها بأهمية مبادرة الحكم الذاتي لطي ملف قضية الصحراء المغربية.