اتصلت بي مساء هذا اليوم، رفيقة بالحزب، وهي بالمناسبة عضو بالديوان السياسي.
موضوع الاتصال كان استفسارا مباشرا عن المقصود بتدوينة لي في هذا الحساب قبل يومين، متفاعلا مع استقالة مسؤولة سياسية بالحكومة الاسبانية، على خلفية نتائج انتخابات البرلمان الأوربي.
لم أتوقع أن تخاطبني الرفيقة بإلحاح لا يخلو من صرامة، لمعرفة الأمين العام المقصود في التدوينة. لم أستسغ أن تتجاوز هذه الرفيقة، مسافة الآمان عندما يتعلق الأمر بممارسة حرية شخصية، دون التعرض مباشرة للأشخاص، و الأعراض، و الذمم.
كان تعبيرا خالصا متماهيا مع لحظة تقدير لموقف سياسي، تمنيت أن ينتعش بيننا، أو يقترفه فاعل سياسي في بلدنا. على قدر الجسارة في طرح السؤال، كان الرد حازما، بل ومستنكرا، أن نؤسس لمحاكم تفتيش حزبية سياسية، بخلفية تحكمية- من التحكم- الذي نرمي به الآخرين، و لا نجد حرجا في ممارسته.
و لأن الرفيقة كانت تبحث عن ضربة مروحة، استدعت تاريخا شخصيا رمتني فيه، بالتنقل بين الأحزاب، والانسحاب من حزب كبير، والالتحاق بحزبهم مثيرا المشاكل، و أن لا شيء يعجبني.
آثرت ألا أن أكون دقيق التوصيف، في رسم الخيط الرفيع، بين العمل السياسي، و الدعارة السياسية، عندما تنطلق دون تروي، لتسأل شخصا آخر، عن شيء كتبه، ويقصد به شيء، وفهمته أنت على نحو آخر، وحتى لو اتفق أن ما يقصده، هو ما خطر ببالك، فأين المشكلة...
في مقطع من حديثنا، أخبرتها أن التدوينة تصدق على العنصر، وعلى لشكر، وبنكيران، وعلى الجميع، وحتى على من تظن أنني قصدته، وتريد تأكيدا صريحا مني. وبلغة المحقق الحذق، والشاطر، سعت لانتزاع ذلك بعيدا عن التلميح والتشبيه، فكان لها ما أرادت.
ألا تتمنين رفيقتي، عضو الديوان السياسي، أن تنتقل إلينا عدوى جميلة، ليغادر كل من فشل، ولنؤسس لمشهد لا مكان فيه للفاشلين، الشعبويين ،تجار الأحلام، تجار السياسة، ديناصورات الأحزاب، وحتى المشوشين أمثالي إذا شئت. أنا مستعد للانسحاب، و الانتقال إلى موقع المتفرج، إذا كان المقابل خيرا للوطن ولمستقبله، اغمضي عينيك وافتحيها للحظة بعيدة عن الصور المألوفة لعل القادم أحسن.
ما يضرك أنني قصدت أمين عام حزبنا، بإحالة مبطنة، إذا كانت تنتصر لمنطق سياسي سليم، يعوض مشهدا كسيحا، حولك وحولني إلى طرفي اشتباك في حلبة ديكة، تسخر منها كائنات الغابة.
قد لا أكون مناضلا مثاليا، و قد أكون عبئا على تنظيم بشري، تترعرع فيه التطلعات، لكن ذلك لا يعطيك أيتها الرفيقة، حق مصادرة أن أعبر عن رأي، حتى ولو خالف هواك، وهوى من تحرصين على رضاه.
كانت الرفيقة تدور حول فكرة رددتها كثيرا، كما لو أنها تعاليم سماوية، أو قرآن منزل، محورها أن التعبير خارج الحزب، مجرم، نعم هو كذلك وفق منطق الرفيقة، لكنها لم تحدد ما تقصد بالتعبير.
أول الخطو في مدرسة السياسة، تعبير وكلمة، ويليه إيمان و التزام، ونكران ذات وتضحية بالمكسب والمغنم، فداء لفكرة وقضية. وإذا صادرت الأحزاب التعبير خارج جدران مقراتها، فماذا بقي للناس.
نسيت بقي لهم الفايسبوك، وهم يتجمعون فيه اليوم، ويعبرون ويعبرون دون أن يفسد عليهم أحد نعمة التعبير والبوح.
أين العيب أن أصرح أو ألمح، وما يضير زعيما أحق بمكانته، و التعبير تحامل عليه، لماذا نصر على كتم الأنفاس، ولما تصلح الأحزاب؟ هل نلتف حول قضايا أو اشخاص، وهل ننتصر لقيم، أم لمراكز.
كنت أتمنى أن لا تتورطي رفيقتي في هذا المنزلق، و أقدر أنك دفعت إلى ذلك أو طلب منك، بما لا يدع لك هامشا للاختيار.
صحيح أنني ترفعت في القفز عن مقاطع الوحل ومستنقع الانحدار في مكالمتنا، و لا أنكر أو أخفي، أنني أشفقت عليك، والتمست لك العذر لاحقا، لكن ذلك لا يمحو جرما ثابتا، وحسبك أن تتحدثي في الناس عن حرية الرأي و التعبير، وكوني رجاء دقيقة حتى لا يساء الفهم و تنطلق الأيادي و الألسن بما لا يروق، فيقترفون جريرة التعبير بما يعرضهم للمساءلة.