رأي

محمد إكيج: فتوى حول مهنة العدول الإناث .. شذوذ في الرأي وخروج عن الإجماع الوطني

بعد دخول تجربة المرأة العدل سنتها الخامسة في مجال التوثيق العدلي.. وفي الوقت الذي ينتظر فيه الجميع تقييم هذه التجربة وترسيخ هذا الحق المكتسب للمرأة المغربية وتجاوز الاكراهات الواقعية التي تعرفها هذه التجربة.. تطلع علينا جهة تدعى "رابطة علماء المغرب العربي" بفتوى نشاز تريد أن تعود بالنقاش القهقرى وتشكك الناس في شرعية عقودهم التوثيقية وخاصة ما ارتبط منها بالزواج والطلاق.. متجاوزة بذلك المجلس العلمي الأعلى باعتباره مؤسسة الفتوى الرسمية التي يرأسها أمير المؤمنين والتي أفتت بجواز وشرعية جميع العقود التوثيقية التي تبرمها المرأة العدل وأنها تستوي في ذلك مع أخيها الرجل دون أدنى تمييز أو تحيز...

وحيث إن ذلك البيان/ الفتوى مرفوض جملة وتفصيلا لأن أصحابه لا يهمهم النقاش العلمي بقدر ما يهمهم "تشكيك الناس فيما يرتبط بعقود الزواج التي أبرمتها النساء العدول" و"القول ببطلانها" هكذا جملة واحدة!! فلابد من إبداء الملاحظات التالية:

أولا: إن الجهة التي أصدرت البيان ليست جهة معلومة ذائعة الصيت وترقى في مصداقيتها إلى مستوى المجلس العلمي الأعلى بالمغرب أو مجمع الفقه الإسلامي بمكة أو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بقطر أو مجلس الإفتاء والبحوث الأوروبي بدبلن أو غيرها من مؤسسات الافتاء والبحوث في العالم الإسلامي المعلومة لعامة المسلمين وخاصتهم...

ثانيا: إن البيان يغالط الناس بالقول "إن العدول يقومون بالتزويج"!!! والحال أن العدول رجالا كانوا أو نساء لا يزوجون الناس وإنما يبرمون عقود زواجهم ويوثقونها حسب شكليات إبرام العقود العدلية كما هي منصوص عليها في خطة العدالة، ولذلك لن تجد في أي عقد يبرمونه "زوجنا فلان بفلانة" وإنما تجد "تزوج على بركة الله فلان..." وحين يتعلق الأمر بالزوجة فإن صيغة إسناد الزواج يكون هكذا "عقد زواجها والدها أو أخوها أو عمها...." أي وليها الشرعي، وإذا اختارت أن تزوج نفسها بنفسها فالصيغة تكون ب: "عقدت زواجها بنفسها..." 

ثالثا: إن البيان/الفتوى تغالط الناس بجعل توثيق عقد الزواج في مقام "العبادة المحضة" أي مثله مثل الأركان التعبدية الأخرى كالصلاة والصيام والحج والزكاة ... والحال أنه مجرد معاملة من معاملات الناس المباحة التي تؤطرها أركان وشروط مرنة... 

رابعا: إن البيان ليست فيه أدلة شرعية للمناقشة لأنه لا يتضمن إلا حديثا واحدا أخرجه ابن ماجة والبيهقي وغيرهما وفيه مقال من حيث السند واختلاف هل هو موقوف على أبي هريرة (أزيد من عشرين رواية) أو مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم (ثلاث روايات فقط)، بل وقيل إنه مقطوع أيضا ... ثم إن الاستدلال به في هذا المقام فيه تغليط وتدليس على الناس باعتبار أن الفقهاء القدامى وكذا المحدثين لا يستدلون به في معرض "الإشهاد على الزواج" وإنما يوردونه في مقام "مدى صلاحية المرأة للولاية في الزواج من عدمها" وشتان بين المقامين... ومسألة الولاية في الزواج محسومة في المغرب منذ اعتماد صيغتي "إجباريتها بالنسبة للقاصر" و"اختياريتها بالنسبة للراشدة" أخذا بمنهج التوفيق بين المذاهب في هذا الباب... 

خامسا: إن رفض البيان/ الفتوى ولو بالتشطيب على مضمونه وإن كان يضم اسم الجلالة واسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس القصد منه إهانة الاسمين الجليلين -بطبيعة الحال-ولكن المقصود التعبير عن الرفض التام لمضمون ذلك البيان وللجهة التي أصدرته، لأنه أشبه ببيان جهة انفصالية خارجة عن الإجماع الوطني التي تحاول الاحتماء بشعارات حقوقية تبدو في ظاهرها مشروعة ولكن يراد بها باطل.. أو كالذي يضع اسم الجلالة في شعار من شعاراته أو علم من أعلامه لدغدغة الجمهور وجلب التعاطف إليه... وكذلك شأن هذه الجهة التي تحتمي بأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام لانتزاع المصداقية لآرائها الشاذة... فاللوم ينبغي أن يقع على من يعرض باسم الرسول عليه الصلاة والسلام أو اسم الجلالة في منشوراته لا على من يعبر عن رفضه لها بأي صيغة من صيغ الرفض!!

سادسا: إن أكثر المعارضين لعمل المرأة في مجال التوثيق العدلي لن يكون في استطاعتهم الحيلولة دون أخواتهم أو بناتهم أو زوجاتهم أو أي قريبة من أقاربهم إن وجدن فرصة لولوج هذه المهنة، فالواقع هو محل تمحيص المواقف وبيان مدى صلابة أصحابها!!! 

سابعا وأخيرا: إن مثل هذه الفتاوى النكرة فضلا عن ما يمكن أن تسببه من أضرار معنوية وحرج نفسي واجتماعي في حق من أبرموا عقودهم لدى النساء العدول.. فإنها ستساهم بلا شك في زيادة التضييق على النساء العدول ومضاعفة معاناتهن المهنية اللائي يكابدن من أجل تجاوزها وكسر طوق الحصار والتضييق عليهن منذ دخولهن مضمار العمل المهني في العديد من جهات المملكة!!!...