رأي

عبد الحق غريب: تمرير إصلاح التقاعد سيكون آخر مسمار في نعش النقابات المغربية

أعرف أنه ينطبق عليّ المثل القائل: "لمن كتعاود زابورك أداود "، وأنا أحاول هذه الأيام أن أدلي بدلوي حول مشروع قانون إصلاح التقاعد الذي تعتزم حكومة أخنوش تمريره هذه السنة، وأنقل بين الفينة والأخرى ما يجري في فرنسا بخصوص إصلاح التقاعد هناك... ومع ذلك، سأستمر ما دام عندي حلم

(I have a dream)... الحلم بأن تحذو نقاباتنا حذو النقابات الفرنسية، وأن تنخرط وتشارك الطبقة العاملة والموظفين عندنا بنفس الزخم والوعي والإرادة لدى الفرنسيين، من أجل سحب مشروع قانون إصلاح التقاعد.

بعد شل الحركة في فرنسا يوم الخميس الماضي 19 يناير 2023، على إثر الإضراب والاحتجاجات التي دعت إليها جميع النقابات ضد مشروع قانون إصلاح التقاعد، والذي كشفت عنه الحكومة الفرنسية يوم 10 يناير الجاري…

وبعد إعلان هذه النقابات مساء نفس يوم الخميس عن يوم آخر الإضراب والاحتجاج في كل التراب الفرنسي، ألا وهو يوم 31 يناير 2023...

وبعد التصريح الذي أدلى به الأمين العام للكونفدرالية العامة للشغل "سي جي تي" فيليب مارتينيز، خلال استضافته بالأمس (الجمعة 20 يناير2023) على قناة BFMTV، والذي قال فيه أن النقابات ستدخل في سلسلة من الاحتجاجات القطاعية والجهوية قبل حلول يوم 31 يناير...

بعد كل هذا، ها هي المسيرة انطلقت يوم السبت 21 يناير في العاصمة باريس ابتداء من الثانية بعد الزوال، يشارك فيها السترات الصفراء والحزب اليساري "فرنسا الأبية"(La France insoumise) وهيآت أخرى.

وحسب تصريحات العديد من المسؤولين النقابيين والمواطنين الفرنسين، فإن الجميع عازم كل العزم على الاستمرار في الاحتجاجات حتى إسقاط هذا المشروع، على غرار الاحتجاجات العارمة التي سبق أن خاضتها النقابات، وأدت إلى سحب مشروع إصلاح التقاعد سنة 1995 في عهد الرئيس جاك شيراك، وسنة 2017 في عهد الرئيس إمانويل ماكرون.

أعيد وأكرر وباختصار شديد، أن في فرنسا، كما في باقي الدول الأوروبية، تعتبر حقوق ومكتسبات العمال أولوية وخطا أحمر، ولا مجال هناك للحديث عن الأزمة الاقتصادية أو أسطوانة تدخل جهات خارجية أوالنقابة التشاركية أوالنقابة المواطنة... حقوق المواطن أولا وأخيرا، وعلى الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها لإيجاد حلول للأزمة في البلاد دون المساس بحقوق الشعب.

لهذا، ومن وجهة نظري، أرى أن النقاش الذي يجب أن يكون بين النقابات والحكومة عندنا، والصراع الذي يجب أن تخوضه الطبقة العاملة هذه الأيام هو لماذا أفلست صناديق التقاعد وأين ذهبت الأموال وكيف يجب استرجاعها؟ والحديث عن إصلاح التقاعد يجب أن ينصب حول الحكامة الجيدة في تسيير وتدبير هذه الصناديق وتحصينها من أي تلاعبات أو إختلاسات في المستقبل.

في الأخير، يمكن القول:

أولا، ان ما وصل إليه العمل النقابي في المغرب، سواء على مستوى الثقة أو الفعل يرجع، من جهة، إلى غياب الوعي لدى شريحة واسعة من الشغيلة بأهمية العمل النقابي وعدم انخراطها ومشاركتها في الاحتجاجات التي تدعو إليها النقابات، ومن جهة أخرى، إلى سوء تدبير النقابات لبعض الملفات، آخرها قانون إصلاح التقاعد سنة 2016، بالإضافة إلى البيروقراطية المقيتة التي تغلغلت في جل النقابات واستغلال المسؤولية النقابية من قبل بعض الانتهازيين للارتياع والاسترزاق والترقي السياسي والمتاجرة في عرق جبين المقهورين…

ثانيا، إن قانون إصلاح التقاعد 2016 هو أسوأ قانون في تاريخ المغرب، وقد مرّ كما أرادته وخططت له حكومة بنكيران، وأن تمرير إصلاح ثانٍ أكثر سوءا وأشدّ ضررا من الأول لا يمكنه إلا أن يكون بمثابة آخر مسمار في نعش العمل النقابي في المغرب.