تحليل

إلى الناطق الرسمي باسم الحكومة... بكم يدعم المكتب الوطني للحبوب أرباب المطاحن لا خبز المواطن؟

إدريس شكري

يقتضي المنطق أن يتراجع الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، عما صرح به، بخصوص دعم الحكومة للخبز بـ 8,5 مليار درهم، وكما يقول المغاربة: " اللسان ما فيه عظم"، لكنه باعتباره مسؤولا حكوميا عليه أن يستحضر دائما بيت الشاعر زهير بن أبي سلمى:

لسان الفتى نصف ونصف فؤاده   ولم يبق إلا  صورة اللحم والدم

و بالرغم من ارتفاع سعر الحبوب في الأسواق العالمية، فإن هذا الرقم يبقى خياليا، لماذا؟

أولا: أن المكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني هي الجهة المكلفة بدعم أصحاب المطاحن الصناعية التي يعهد بانتاج الدقيق المدعم من القمح اللين، و يعين المكتب المراكز التي ستمونها كل مطحنة أخذا بعين الاعتبار تكاليف النقل.ويعهد تسويق هذه الحصص بالمراكز المستفيدة لتجار يرجع اختيارهم حصريا، وطبقا القوانين الجاري بها العمل، إلى المطاحن الممونة.

ثانيا: أن استهلاك المغرب من الحبوب سنويا في حدود 120 مليون قنطار، وأن الحصة المدعمة في حدود 10 مليون قنطار، يتم توزيع الحصة الإجمالية للدقيق المدعم بين المراكز المستفيدة بمختلف عمالات وأقاليم المملكة. ويعهد توزيع الحصص بين هذه المراكز إلى لجنة تضم عدة وزارات أخذا بعين الاعتبار مجموعة من المعطيات أهمها القدرة الشرائية للمستهلكين وحالة التموين والخصوصيات الجهوية كنمط العيش والحاجيات المعبر عنها من طرف السلطات المحلية.ولإنتاج هذه الحصص، يقوم المكتب في إطار لجنة تضم ممثلي قطاع المطاحن وإدارات أخرى بتحديد الكميات التي تستفيد منها كل مطحنة.

ويقوم أرباب المطاحن الصناعية بعملية تصنيع الدقيق الوطني المدعم أي القمح الطري سواء  أكان مستوردا  أم محليا، وذلك من خلال تكريره  وتجريده من جميع العناصر الغذائية الأساسية من فيتامينات ومعادن، كما يستفيدون من بيع مادة النخالة، التي تستعمل كعلف للماشية، والتي تباع حاليا بثمن 4 دراهم للكيلوغرام الواحد، أي أن سعرها أغلى من هذا الدقيق، ها في الوقت سبق أن أثيرت فيه هذه الإشكالية داخل البرلمان، لأن عائدات هذه المادة ينبغي خصمها من الدعم، لأن المطاحن تستفيد منها كأرباح، وبالتالي فإن على الناطق الرسمي أن يقدم للرأي العام المبلغ الذي تدعم به الحكومة القنطار الواحد من القمح اللين المخصص لهذه العملية.

وتطرح إشكالية دعم الدولة لأرباب المطاحن أسئلة حول طرق صرف وتدبير الأموال العامة، وحول القيمة الغذائية لهذا النوع من الدقيق وتأثيره السلبي الخطير على الصحة العامة للفئات المعوزة.

إن تحديد طرق وكيفية تنظيم أموال الدقيق المدعم الموجه إلى الفئات المعوزة ليست من اختصاص صندوق المقاصة بشكل مباشر، وإنما يشرف عليها المكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني الخاضع لوصاية وزارة الفلاحة، بشكل مباشر بناء على القانون 12.94 المتعلق بالمكتب الوطني للحبوب والقطاني وبتنظيم سوق الحبوب والقطاني، وكذلك المرسوم الصادر بتاريخ 30 يونيو 1996 لتطبيق ذات القانون. فالمادة 11 و12 من المرسوم تسند إلى 3 وزراء هم  كل من وزير المالية والداخلية والفلاحة وبقرار مشترك بتحديد شروط شراء القمح اللين المعد لصنع الدقيق المدعم وكذلك شروط التوضيب والبيع والمدخرات الاحتياطية والتمويل وتحمل الدولة لكلفة الادخار، وتنظم المادتين 22و23 من القانون 12.94 المكافآت التعويضية للمطاحن عن بيعها الدقيق المدعم وكذا شروط تزويد المطاحن بالقمح اللين لصنع الدقيق المدعم ومقاييس المكافآت أو التخفيضات تبعا للجودة وشروط مصاريف الخزن والتسيير وهامش الربح الممنوح للتجار والتعاونيات فضلا عن شروط صنع الدقيق المدعم وتحديد جودته وتوضيبه ومراقبته وبيعه.

كما أن ذات القانون هو الذي يؤطر القطاع برمته وكذا جميع المهنيين من مطاحن ومخابز وغيرهم، حيث إن المجلس الإداري للمكتب الوطني للحبوب والقطاني الذي هو تحت وصاية وزير الفلاحة والمالية نصفه من الوزراء ومن ينوب عنهم، ويضم أيضا الجامعة الوطنية للمطاحن والجامعة الوطنية للمخابز، كأعضاء.

وقد سبق للفدرالية المغربية لأرباب المخابز أن أعلنت في أكثر من مناسبة " أن الدعم الحكومي لا يقدم إلى المخابز بل إلى الصناعة التحويلية لأرباب المطاحن، كما طالبت الفدرالية بالتقصي حول كمية وجودة الدقيق المدعم الموجه إلى الفئات الهشة والفقيرة.

وسبق لرئيس الفدرالية أن صرح أن الدقيق المدعم الذي يشبه الجبس يكون غير صالح لخبزه إلا بإضافة مواد أخرى كالسكر.