قضايا

المدرسة العمومية تلك المظلومة في زمن صعب

خالد أخازي

جميل ومطلوب تأهيل البنيات التحتية لمؤسسات التعليم والتربية...

جميل أن تنافس المؤسسة التعليمية العمومية شقيقتها الوطنية الخصوصية في نوعية طلاء وألوان وتجليات الجمالية من تشجير وبستنة وقاعات بحواسب وإن منتهية الصلاحية وانترنت بصبيب ولو لا يكفي الإدارة وحدها لأداء مهام مسار بوابة الجحيم الرقمي..

جميل هذا الخيار الرقمي.... والتهافت مع المبادرات الدولية رغم إفراغها من جوهرها الكيفي وتحولها إلى تنافس عددي بين الأكاديميات...

فتعليمنا منذ زمن صار مسكونا بالمؤشرات والتنافس حولها...والترقي بها ومنها.... لأن الوزارة يدبرها عقل تقني لا تربوي ...

الأرقام في التعليم تزيف الواقع... ولا تشكل مرجعا علميا.

لكن للأسف ما نقوم هو نوع من العبث...

نحن للأسف غدونا مع الزمن جزء من ثقافة الكم لا الكيف...

وزارتنا غدت ظاهرة رقمية... والكل غدا أسير عمليات لا تنتهي ومؤشر نجاحها ليس الأثر التربوي بل المؤشرات...

لنعد إلى ظاهرة طلاء المؤسسات.... التي من أجلها خرج المديرون والمديران من مكاتبهم وظهر صور المتحمسين منهم وهم منهمكون في طلاء الأرصفة ورقي السلالم للوصول إلى السقف..

جميلة هذه الظاهرة... وخصوصا مع سيلفي استقبال التلاميذ بالتمر والحليب و" النفاخات" ... رائع ... وسيلفي أكثر من رائع...

من يدري... فقد نؤلف قلوبهم ... نتقي الغاضبين منهم والمتمردين...

جميل كل هذا... في زمن البؤس... والموت بالعوز والمرض...

جميل هذا وسط كل التفاهات التي لم نعد قادرين على الهروب منها...

لكن هنتك مفارقة قاتلة...

 ما نقوم به شبيه بعمل رجل تحترق داره من الداخل وهو منهمك في طلاء جدرانها الخارجية....

هذا التهافت نحو الاهتمام بطلاء المؤسسات التعليمية العمومية بألوان براقة، لتصير مؤسسات جذب واستقطاب فعلا يعيد جزئيا للمدرسة العمومية هيبتها...

ولكن ما يقع وراء الأسوار لا يمكن للصباغة ولا لمختلف الألوان تغطيته وستره...

فالكل يهاجم المدرس والمدرسة....

لأنهما في طليعة جبهة صراع مجتمعي ليسوا طرفا فيه....

فالأسر تتحدث عن أستاذ زمان بنوستجاليا غامرة...

والمجتمع يستحضر مدرسة زمان برومانسية جيل الأسود والأبيض.. 

يقولون تغير المدرس.. 

ينسون أن الأسر نفسها تغيرت...

ساءت وتعفنت واستقالت وغلبت وانشغلت بالخبز...

فقدت سلطتها على الأبناء وسلطوا غضبهم الاجتماعي على المدرسة...

وتلاميذ زمان ليسوا تلاميذ اليوم...

ونقابات زمان كان مناضلة مواطنة...

لا سوق مقايضة وريع.... إلا من مازالوا " يستحيون من تاريخهم النضالي"...

الأمس التربوي ليس لوحة يوم مشمس جميل...

فيه من السواد على قدر لون الأمل...

كان الكل... يرفع المعلم عاليا...

كانوا يبجلون الأستاذ حتى جاء يوم فلكمه الأب وشتمته الأم ثم جاء اليوم الذي لكمه فيه التلميذ... وبعدها حولوه إلى كيس إسمنت كل من أتى يفرغ فيه غضبه...

ثم تحول إلى نكتة... وصار لقب الأستاذ مشاعا ينادى به النادل والسائق والمجرم....

 للأسف تتعالى الأصوات عن أزمة المدرسة....

والكل يقفز على أقصر حائط هو المدرس والمدرسة...

في الفرعيات النائية لا يتورع التافهون والأمويون من بعض السكان عن فرض سلطتهم على المدرس... ولأنه غريب... يمارس عليه الاضطهادوالتكالب... والتآمر...

قد يشتم المعلم فقط من أجل أن يظهر تافه جاهل فحولته لزوجته ويثبت للناس مكانته أو من أجل حكاية في السوق الأسبوعي لبطل أعرابي نهر الأستاذ كاد أن يرمي به في" المطفية" والجمع منبهر بالحكاية...بين ضاحك وفخور وشامت..

قد ينتهك السكن الوظيفي...وتسرق الملابس والأثاث وتروع المدرسات

قد تهاجم المدرسات ليلا...ويعيشون ليالي الرعب..