تحليل

خطاب العرش: خطاب القيم الكبرى

خليل البكراوي

وجه الملك محمد السادس خطابا يوم السبت 30 يوليوز إلى شعبه الوفي بمناسبة الذكرى 23 لتربعه على عرش أسلافه المنعمين، وقد تضمن الخطاب ثلاث قيم كبرى تتمثل في المساواة الفعلية مابين المرأة والرجل، و قيمة العدالة الاجتماعية التي يسعى المغرب إلى تحقيقها، وأخيرا قيمة السلام التي هيمنت في الجزء الأخير من الخطاب الذي تحدث فيه الملك عن الجزائر.

بعد ديباجة الحمدلة والصلاة والسلام على رسول الله، تحدث الملك محمد السادس عن تداعيات استمرار كوفيد 19 وانعكاسات التقلبات الدولية، على الاقتصاد الوطني والعالمي، واعتبر أنه "لن نتمكن من رفع التحديات الداخلية والخارجية، إلا بالجمع بين روح المبادرة ومقومات الصمود، لتوطيد الاستقرار الاجتماعي، والنهوض بوضعية المرأة والأسرة؛ وتعزيز قدرات الاقتصاد الوطني".

واعتبر الملك محمد السادس في ذات الخطاب أن مغرب التقدم والكرامة يقتضي من الجميع المساهمة في عملية التنمية، سواء تعلق الأمر بالمرأة أو الرجل، مشددا "على ضرورة المشاركة الكاملة للمرأة المغربية، في كل المجالات"، ودون استثناء.

وقد أشار الملك إلى مدونة الأسرة ودستور المملكة الذي تم اعتماده سنة 2011،  "الذي يكرس المساواة بين المرأة والرجل، في الحقوق والواجبات، وينص على مبدأ المناصفة،كهدف تسعى الدولة إلى تحقيقه"، داعيا في ذات السياق إلى "تفعيل المؤسسات الدستورية، المعنية بحقوق الأسرة والمرأة، وتحيين الآليات والتشريعات الوطنية، للنهوض بوضعيتها".

وقد نبّه الملك في ذات الخطاب أن هناك بعض العوائق قد اعترضت هذه التجربة (مدونة الأسرة)، دون تحقيق أهدافها، ومن بين هذه العوائق عدم تطبيقها الصحيح، لأسباب سوسيولوجية متعددة، مشيرا "أن فئة من الموظفين ورجال العدالة، مازالوا يعتقدون أن هذه المدونة خاصة بالنساء. والواقع أن مدونة الأسرة، ليست مدونة للرجل، كما أنها ليست خاصة بالمرأة؛ وإنما هي مدونة للأسرة كلها".

وشدد الملك محمد السادس "على ضرورة التزام الجميع، بالتطبيق الصحيح والكامل، لمقتضياتها القانونية. كما يتعين تجاوز الاختلالات والسلبيات، التي أبانت عنها التجربة، ومراجعة بعض البنود، التي تم الانحراف بها عن أهدافها، إذا اقتضى الحال ذلك."

أما في الجانب الاجتماعي تحدث الملك عن الظرفية الاقتصادية الصعبة التي مر منها المغرب في ظل جائحة كوفيد 19، ورغم ذلك تم تدبيرها بطريقة تضامنية، حيث تم تقديم مساعدات مادية مباشرة للأسر المحتاجة وتوفير المواد الأساسية في كل مناطق المملكة، هذا فضلا  أن المغرب كان من بين الدول السبّاقة لشراء اللقاح رغم ثمنه الباهظ، وتوفيره بشكل مجاني لكل المواطنين المغاربة والأجانب المقيمين في أرض المملكة.

وفي ذات سياق ما هو اجتماعي أشار الملك إلى مشروع تعميم الحماية الاجتماعية، وتأهيل المنظومة الصحية، حيث بلغ عدد المنخرطين في نظام التأمين الإجباري عن المرض، أكثر من ستة ملايين من العاملين غير الأجراء وعائلاتهم في ظرف أقل من سنة، كما سيتم "استكمال التغطية الصحية الإجبارية، في نهاية هذه السنة، من خلال تعميمها على المستفيدين من نظام “RAMED”"، يضيف الملك في ذات الخطاب.

وقال الملك محمد السادس أنه سيتم العمل على تنزيل تعميم التعويضات العائلية، تدريجيا، ابتداء من نهاية 2023، وذلك وفق البرنامج المحدد، حيث سيستفيد من هذا المشروع، حوالي سبعة ملايين طفل، لاسيما من العائلات الهشة والفقيرة، وثلاثة ملايين أسرة بدون أطفال في سن التمدرس، داعيا إلى "الإسراع بإخراج السجل الاجتماعي الموحد، باعتباره الآلية الأساسية لمنح الدعم، وضمان نجاعته".

ومن جهة أخرى دعا الملك في خطاب العرش، الذي ألقاه مساء السبت بمناسبة الذكرى 23 لتولي الحكم -دعا-  الحكومة والأوساط السياسية والاقتصادية، للعمل على تسهيل جلب الاستثمارات الأجنبية، التي تختار بلادنا في هذه الظروف العالمية، وإزالة العراقيل أمامها، معتبرا  "أن أخطر ما يواجه تنمية البلاد، والنهوض بالاستثمارات، هي العراقيل المقصودة، التي يهدف أصحابها لتحقيق أرباح شخصية".

وخصص الملك الفقرات الأخيرة من الخطاب إلى موضوع علاقة المغرب بالجزائر، التي أن تكون علاقة يسودها التفاهم والأخوة واتعاون وحسن الجوار، وقال في هذا الصدد:  "أن الحدود، التي تفرق بين الشعبين الشقيقين، المغربي والجزائري، لن تكون أبدا، حدودا تغلق أجواء التواصل والتفاهم بينهما. بل نريدها أن تكون جسورا، تحمل بين يديها مستقبل المغرب والجزائر، وأن تعطي المثال للشعوب المغاربية الأخرى"، داعيا المغاربة، "لمواصلة التحلي بقيم الأخوة والتضامن، وحسن الجوار، التي تربطنا بأشقائنا الجزائريين".

كما تطلع الملك محمد السادس في ذات الخطاب إلى "العمل مع الرئاسة الجزائرية، لأن يضع المغرب والجزائر يدا في يد، لإقامة علاقات طبيعية، بين شعبين شقيقين، تجمعهما روابط تاريخية وإنسانية، والمصير المشترك".

خطاب العرش لهذه السنة؛ خطاب قوي بقيم كبرى، توزعت ما بين قيم المساواة الفعلية ما بين الرجل والمرأة، وفق ما تنص عليه الشريعة الإسلامية، والعمل سويا لتنمية البلد، وقيم العدالة الاجتماعية وتحقيق العيش الكريم للمواطنين المغاربة، هذا فضلا عن قيم السلام ونبذ خطاب الكراهية ما بين الشعبين؛ الجزائري والمغربي.