على باب الله

الثقافة "الهاشتاغية" وثقافة "المحروقات"

المصظفى كنيت

ازدهرت المقالات التي تحذر مما تصفه بـ "الثفاقة الهاشتاغية"، بمناسبة الوسم الذي أطلقه رواد مواقع التواصل الاجتماعي "أخنوش ارحل"، معتبرة أن هذه الموجة "الهاشتاغية" تمثل "انهيارا أخلاقيا حقيقيا"، محذرة، في نفس الوقت، من تداعيات ثقافة "هاشتاغ" وصفه مقال، لا سامح الله راقنه، بـ "سمجة وسطحية ومجهولة الهوية".

لكن كتاب هذه المقالات نسوا أن التجمع الوطني للأحرار، الذي يقود الحكومة، هو الحزب الذي أنفق مئات الملايين من أجل التغريد في وسائل التواصل الاجتماعي، خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، وأنه سخر لذلك فريق عمل من مهامه تجميل صورة الحزب ومرشحيه وتسويق برنامجه الانتخابي...

 وإذا كان الرأي العام، وهو ليس مجهول الهوية، اضطر إلى إطلاق "هاشتاغ"، فلأنه ووجه بالصمم الحكومي، و بالصد والجفاء والتحقير، أحيانا، في الاستماع إلى شكاويه المتعددة بشأن انهيار قدرته الشرائية، بسبب الارتفاع الفاحش في سعر المحروقات، وما رافق ذلك من تعنت ورفض حكومي لكل المبادرات والاقتراحات التي تقدمت بها أحزاب سياسية ونقابات وجمعيات وهيئات وخبراء من أجل وقف هذا "النزيف"، سواء من خلال تسقيف الأسعار أو إعادة تشغيل مصفاة لا "سامير" أو التقليص من الضرائب ( رسم الاستيراد/ الضريبة على الاستهلاك الداخلي/ الضريبة على القيمة المضافة) أو هوامش ربح شركات المحروقات، مع التفكير في إعادة تشغيل المصفاة، واحترام مبدأ المقايسة بين أسعار البرميل في الأسواق العالمية وثمنه في محطات بيع الوقود...

غير أن الحكومة أو الحزب الذي يقودها ركبت رأسها، بل إن وزيرة في صفوفها تتحمل مسؤولية القطاع ( ليلى بنعلي)، تعرضت لحملة شرسة في العديد من المقالات، و التأنيب من طرف رئيس الحكومة لمجرد أنها صرحت في البرلمان أن الوزارة تدرس إمكانية إعادة تشغيل لا "سامير".

وهنا يتساءل الرأي العام أين هو الانهيار الاخلاقي الحقيقي، هل في الدفاع عن القدرة الشرائية للمواطن أم على "لوبي" المحروقات، وابتداع العبارات التي تبرر استمرار مراكمة الأرباح؟ هل هو التخلي عن شعار "تساهلوا أحسن" لصالح شعار  "إعادة التربية"، هل هو تنزيل البرنامج الحكومي بما يلزم من حياد أم بتسخير الموقع الحكومي لحماية المصالح؟

إن "الهاشتاغ" الذي بلغ 1.5 مليون، ليس ثقافة سمجة وسطحية، بل هو مظهر من مظاهر الوعي، وممارسة حرية التعبير والرأي المكفولة بالدستور، و الذين يجتهدون اليوم لتبخيس "الوسم" أو إعطائه من الأبعاد ما لا يحتمل، تتقدمهم وكالة أنباء رسمية، فشلوا في هذه المهمة، لأن رد فعل المواطن، كان قاسيا.

قد نتفق أن ما يحتاجه "الهاشتاغ"، بالفعل، هو التطهير من الكراهية والتشهير والسب والقذف، لكن ما تحتاجه الحكومة أيضا أو رئيسها هو وضع حد لتضارب المصالح، وامتثال شركات المحروقات لقواعد المنافسة الشريفة والتخلي عن المضاربة والاحتكار، أما ما يحتاجه "أصدقاء أخنوش" فهو التطهير بالمفهوم الأرسطي حتى يستطيعوا تحقيق المتعة لدى المتلقي، وهو ما فشلوا فيه لافتقارهم  للوسائل المنطقية الكفيلة بتفنيد هذا "الهاشتاغ".