تحليل

النقابات في المغرب .. تأكل مع الذئب وتبكي مع الراعي

أمين بوشعيب

جنازة أخرى تنضاف إلى جنازات سابقة عاشتها الشغيلة المغربية بمناسبة حلول فاتح ماي 2022، لكن وطء هذه الأخيرة كان شديدا، حيث تزامنت مع عيدين: عيد الشغل، وهو مناسبة للاحتفال بالعمال والانتصار لحقوقهم، بعد سنة من الكدح والعمل الدؤوب، وعيد الفطر وهو مناسبة لإظهار الفرح والسرور بعد شهر من الصبر والصوم. لكن تبيّن أن الفرحتين المنتظرتين تبخرتا وتحولتا إلى مأتم وجنازة، بعد الاتفاق المشؤوم الذي تمّ بين الحكومة المغربية والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية.

وإنها فعلا تمثيلية، أبطالها حكومة أخنوش، والنقابات العمالية ممثلة في الاتحاد المغربي للشغل، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، ونقابة "الباطرونا" ممثلة في الاتحاد العام لمقاولات المغرب. وأما الحكومة فقد لعبت دور البطل الأول بدون منازع عن جدارة واستحقاق، بصحبة نقابة "الباطرونا"، وأما النقابات فقد لعبت دور الكومبارس وهو دور سخيف، تماهت فيه، وبأداء رائع، مع دور ذلك الممثل الذي" يأكل مع الذئب ويبكي مع الراعي" وأما الشغيلة فوقفت تتفرج مشدوهة، حالها كيتيم في مأدبة اللئام.

إنّ من رأى الجذبة التي افتعلها زعيم أكبر مركزية نقابية بالمغرب، الميلودي موخاريق، ليعجب أشد العجب من القدرة "الموخاريقية" لهذا الكائن النقابي، في تقمص شخصيتين متناقضتين تماما، فهو من جهة يرغد ويزبد ويعبّر عن رفضه للعرض الحكومي الأوّلي الخاص بجولة الحوار الاجتماعي، ويفضح ما أسماها "محاولة الحكومة رشوة النقابات بزيادة الدعم المخصص للمركزيات النقابية بنسبة 30%" بل ويطالب الحكومة بكل وقاحة، سحب مشروع الرفع من الدعم الموجّه للنقابات، لأنه -كما يقول- مقتضى غريب لم يسبق لنقابته أن طالبت أو تقدمت به. ومن جهة أخرى يظهر علنا على خشبة المسرح يعانق رئيس الحكومة عناقا حارّا، ويوقّع معه على اتفاق اجتماعي وهدنة – سموها السلم الاجتماعي- لمدة ثلاث سنوات.

الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، التي فقدت البوصلة بعد وفاة مؤسسها نوبير الأموي، ممثلة في نائبيْ الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، العلمي لهوير وبوشتة بوخالفة، أعادت لعب نفس المشهد، ولكن بسيناريو مخالف، فقد رفض ممثلا الكونفدرالية بدورهما العرض الحكومي، بدعوى أنه لا يرقى إلى مستوى انتظارات منظمتهما النقابية، وبدعوى أنه لا يتضمن أهم المطالب الأساسية التي تقدمت به، لكنهما ولتبرير توقيعهما على الاتفاق مع أخنوش، قالا إنه وبعد جولات ماراطونية، وجلسات أحادية مكثفة، جاء وزير الادماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات "راكعا" إلى المقر المركزي للكونفدرالية، ليقدم للمكتب التنفيذي، عرضا جديدا لمشروع الاتفاق، بناء على ملاحظات ومقترحات الكونفدرالية، وإذ ذاك وافقت الكونفدرالية على التوقيع على الاتفاق الاجتماعي.

لكن، وحسب المعلومات التي استقيناها، فالحكومة لم تقدّم أي عرض جديد سوى الموافقة على الرفع من الدعم المخصص للنقابات بنسبة 30 في المائة، وهو ما فضحه وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، يونس السكوري في كلمة له بمناسبة ذكرى فاتح ماي 2022، وأضاف أنه سيتم كذلك مراجعة الدعم في جانب التكوين النقابي بما يعزز دور النقابات في التأطير والتكوين.

وأما الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، الذراع النقابي لحزب الاستقلال المشارك في الحكومة، فقد كان منسجما مع دوره ووضعه، إذ اعتبر أن اتفاق 30 أبريل 2022، خطوة إيجابية نحو مأسسة حوار اجتماعي منتج ومستدام، وإرساء دعائم الدولة الاجتماعية. بل وأكد أن هذا الاتفاق يعد جد مهم خاصة خلال هذه الفترة التي يعيش خلالها المغرب، كما معظم دول العالم، أوضاعا اقتصادية واجتماعية خاصة.

وفي نفس السياق، اعتبر رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، شكيب لعلج، أن الاتفاق الاجتماعي الذي وقعته الحكومة والاتحاد العام لمقاولات المغرب والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، متوازن للمقاولات ولاسيما للطبقة العاملة، ويفتح صفحة جديدة من أجل بلورة اتفاقات متوازنة لمواصلة خلق فرص الشغل بالبلاد ومجابهة السياق الدولي الراهن.

وفي نهاية المشهد هنأ رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، في كلمة له، جميع المشاركين في هذه التمثيلية، وأشاد بالأدوار الفعالة التي قامت بها النقابات العمالية وكذا الاتحاد العام لمقاولات المغرب للوصول إلى هذا الاتفاق، معتبرا أنه أبان أن “المغرب يتوفر على نقابات في مستوى الدول المتقدمة”. وأن الحكومة “دخلت في مرحلة جديدة من الثقة مع النقابات، من خلال التوقيع على الميثاق الوطني للحوار الاجتماعي.

وهكذا انتهت التمثيلية بوقوف الحكومة المغربية والنقابات العمالية الرئيسية وجمعية المقاولين الكبار على الخشبة، يعبرون مجتمعين، عن ابتهاجهم للاتفاق المشترك بينهم، والذي وصفوه بالإنجاز التاريخي، غير المسبوق في تاريخ المغرب.

فلاش: أفبعد كل هذا، يمكن الحديث عن النقابات، ودورها في الدفاع عن مطالب العمال والمأجورين، وقد تبين بالمفضوح أنها لا تدافع سوى عن مصالحها، وعن الرفع من قيمة الريع الذي تتلقاه من الحكومات المتعاقبة. لقد آن الأوان لوقف هذا العبث، وذلك بإخراج قانون جديد للنقابات، يكون صارما ويحدد المسؤوليات ويقوم بالمحاسبة، ويقطع مع خلود الزعيم على رأس النقابة أبد الآبدين. ولكن هذا لا يمكن حصوله، إلا إذا خلصت النية، ورفعت الدولة يدها عن النقابات وكفّت عن التحكم فيها.