تحليل

المغرب والجزائر: الرهانات الجيو-سياسية لأنابيب الغاز

سمير شوقي*

في سياق سياسي متوتر، يأتي النقاش حول تجديد اتفاقية أنبوب الغاز المغرب-أوروبا من عدمه ليصب الزيت على النار. فما هي الرهانات الجيو-سياسية لهذا الملف؟ وما هي التداعيات الاقتصادية على المغرب؟ وما هي البدائل المطروحة أمام الجزائر؟

لم تمر أكثر من ثمان وأربعين ساعة على قرار سلطات الجزائر القاضي بقطع العلاقات الديبلوماسية مع المغرب حتى سارع وزير الطاقة والمعادن بالإعلان عن كون الجزائر ستقوم بتصدير كافة حاجيات إسبانيا والبرتغال عبر أنبوب الغاز المتوسطي “ميدغاز”. وإذا تم تفعيل هذا القرار، فذلك يعني ضمنيا نهاية ربع قرن من استعمال أنبوب الغاز المغرب-أوروبا.

تداعيات عدم التجديد

ما تزال نظرية المؤامرة تهيمن على تفكير الحاكمين بالجزائر؛ فحتى عندما أعلنت أمينة بنخضرة، مديرة المكتب الوطني للهيدروكاربورات، قبل فترة، عن نية المغرب تجديد الاتفاقية التي ستنتهي يوم 31 أكتوبر 2021، تم التعامل مع تصريحها بتوجس غير مبرر وحُمِّلَ من التأويلات ما لا يطيق.

فأنبوب الغاز المغرب-أوروبا يمتد على مسافة 1300 كيلومتر، منها 540 كيلومترا على التراب الوطني المغربي، وهو ما يُخول المغرب الحصول على حقوق المرور بواقع 7% من الكمية المتدفقة في الأنبوب، ما يوازي 700 مليون متر مكعب كمتوسط سنوي، أي حوالي 65% من حاجيات المغرب من الغاز البالغة 1,3 مليار متر مكعب سنويا.

فهل تشكل هذه النسبة التي تبدو في الظاهر كبيرة ثقلا كبيرا على السياسة الطاقية بالمغرب؟ الجواب، لا. فالغاز الطبيعي لا يشكل سوى 5% من إنتاج الكهرباء بالمغرب، لأن المملكة اتجهت نحو تنويع مصادر الإنتاج الطاقي (60% من البترول، 25% من الفحم، و10% من الطاقات المتجددة). وبصيغة أخرى، فإن الغاز الجزائري لا يزن سوى 3,3% من الإنتاج الوطني للطاقة، وهي النسبة التي سيكون على المغرب اقتناؤها من مزود آخر بكلفة تبلغ كمتوسط سنوي حوالي 160 مليون دولار، وهو ما يشكل فقط 0,65% من الميزانية العامة المغرب.

وإذا كان هذا المبلغ متواضعا، فإنه يجب الأخذ بعين الاعتبار أن الاستراتيجية الوطنية للانتقال الطاقي تتوخى الرفع من استعمال الغاز، ليعوض تدريجيا استعمال الفحم، من 5% إلى 13,5%، أي حوالي 5 مليارات متر مكعب في أفق سنة 2030، احتراما لالتزامات المملكة باتفاقيات كيوطو.

ومن أجل ذلك، سيكون على المغرب الرفع من طاقته التخزينية لأن وتيرة التصدير سترتفع تدريجيا ولائحة المزودين ستتنوع، مع الأمل في بروز إمكانية استغلال حقول الغاز التي يتم الحديث عنها بكثرة في الفترة الأخيرة. أما راهنيا، فلا خوف على تزويد السوق المحلي بالنظر للطاقة التخزينية الحالية وتوفر كميات كافية للاستهلاك الداخلي لعدة أشهر.

الحلول البديلة

في سنة 2011، أطلقت الجزائر أنبوب “ميدغاز” الذي يربط مباشرة الجزائر بمدينة ألميريا الإسبانية. الهدف المتوخى من هذا المشروع كما تم الإعلان عن ذلك في حينه، هو الرفع من الطاقة التصديرية للغاز الجزائري، لكن نوايا حكام الجزائر لم تخرج عن التضييق عن المصالح الاقتصادية للمغرب.

ومنذ ذلك التاريخ، عمدت الجزائر على خفض تدريجي للغاز المتدفق عبر المغرب والرفع من صبيب “ميدغاز” الذي انتقلت طاقته من 8 إلى 10 مليارات متر مكعب. فهل ذلك هو البديل لأنبوب الغاز عبر المغرب؟ كانت هاته هي خلاصة دراسة وُضعت على مكتب رئيس الحكومة الجزائرية السابق ومفادها أن الجزائر صار بإمكانها الاستغناء عن المغرب في تصدير غازها إلى أوروبا.

لكن هذه الخلاصات التي قُدمت سنة 2019 اعتمدت على معطيات لسنة 2018، وهي الفترة المطبوعة بانخفاض الطلب على الغاز كنتيجة لانكماش الاقتصاد العالمي. فهل سيكون بمقدور “ميدغاز” أن تفِ بحاجيات زبائنها التي ستعرف ارتفاعا كبيرا وفق توقعات خبراء أسواق المحروقات العالمية ابتداء من الفصل الثالث من سنة 2021؟ غير مؤكد. لذا، سيكون على الجزائر أن تفصل بين خيارين أساسيين.

أولاً، تجديد اتفاقية أنبوب المغرب-أوروبا في انتظار تمديد الطاقة الاستيعابية لـ”ميدغاز” من 10 إلى 15 مليار متر مكعب في أفق خمس سنوات كمرحلة انتقالية قبل القطع النهائي مع أنبوب المغرب.

ثانياً، عدم تجديد اتفاقية أنبوب المغرب وتحمل تبعات ومخاطر ذلك، بما فيها إمكانية العجز عن تزويد الزبائن في حال ارتفع الطلب.

وإذا كان الاختيار بديهيا من وجهة نظر اقتصادية صرفة، فإن كل المؤشرات تدل على أن حكام الجزائر ماضون نحو الخيار الثاني رغم كلفته.

وهكذا، يبدو أن الرهانات الجيو-سياسية ستتغلب عن المنطق الاقتصادي بمفاهيم البناء والاندماج والآفاق، وبالتالي سيكون خيار الجزائر بمثابة آخر مسمار في نعش اتحاد مغاربي ولد ميتا.

وإلى حد كتابة هاته السطور، مازالت إسبانيا تلزم الصمت وهي المعنية الأولى بهذا الملف على اعتبار أنها صاحبة غالبية الاستثمار في أنبوب المغرب.

من جهة أخرى، هل يجب أخذ قرار الجزائر في هذه الظرفية القاضي بإخراج مشروع أنبوب الصحراء من الدرج على محمل الجد وهدفه الوحيد هو تعطيل مشروع أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب؟

تلك قصة أخرى.. لها بقية.