على باب الله

مدرستنا الحلوة ومدارس الفلوس

المصطفى كنيت

يهون وباء "كورونا" أمام بعض الأوبئة التي تنخر المجتمع، والتي كشفت عن نفسها بمناسبة هذه " الجائحة".

وعندما كنا صغارا نتردد على المدرسة العمومية، ونمارس الشغب الجميل في الطريق ذهابا وإيابا، كانت بعض النسوة تدعون علينا: " سيروا الله يعطيكم شي جايحة"، من دون أن نعرف دلالة الكلمة...

و في آخر السنة، كن يتشفين في الراسبين منا، بعضهم يتخلى عن الدراسة، وبعضهم كان يأخذه أبوه  لإتمام الدراسة في مدرسة بالفلوس.

لم نكن نعرف هذا النوع من المدارس، والحمد لله أن مدينتنا الصغيرة، وقاها الله شر هذه المدارس، إلى وقتنا هذا.

و مر الزمن وكبرنا، و أحيانا الله حتى قادنا القدر المشؤوم إلى تسجيل أبنائنا بالمدرسة تاع الفلوس، صاغرين ضارعين للسيد المدير، كي يقبلهم، بعد اختبار وأحيانا بعد تدخل "الكود يبستون"، بعد أن تآكلت منظومة تعليمنا العمومي، ولم ترد لها الاعتبار كل الإصلاحات المتوالية.

و استئناسنا بالوضع، وسلمنا جيوبنا لمصاريف تحمل هذه "الجائحة"، حائرين ومتسائلين: "متى يرجع لمدرسنا الحلوة" إشعاعها.

قلنا "ما كاين باس"، واستسلمنا لنهب رسوم التسجيل و التأمين والنقل والتغذية، وأوراق المراحيض، والكتب المدرسية، ودفعنا فلوس الخرجات "البيداغوجية" وما شابه ذلك، و راكم هؤلاء الثروات و جنوا الإعفاء من الضرائب، وقلنا: "ما كاين ثمارة"، وصبرنا على شان خاطر أفلاذ كبدنا، وحتى لا نسمع لوم وعتاب الأمهات: " أنت لي مبغيتش تقري ولادك بالفلوس"، لكي يلجوا بعد الباكلوريا المدارس والمعاهد والكليات الكبرى، ويغادروا الوطن، بعد ذلك، لاستكمال الدراسة والمكوث ببلدان الاستقبال، فتتبخر كل أحلامنا في بقاء "نخبة" بين ظهراننا لترد بعض الجميل لهذا الوطن الجميل، وتسعف أبناء هذه البلاد في لحظات الشدة والضيق، بما تتوفر عليه من رصيد معرفي، ما أحوجنا إليه.

و في عز أزمة "كورونا" تفتقت عبقرية رابطة التعليم الخصوصي بالمغرب على رفع رسالة إلى رئيس الحكومة، تطلب فيه الاستفادة من صندوق مواجهة الوباء، رغم أنها أرغمت الأباء على دفع رسوم الدراسة لشهر مارس، بدون وخز ضمير، رغم أن قطاع التعليم الخصوصي، لم يتضرر، و أن قطاعات مهمة تعيش شبح ركود تام، متجاهلين أن الصندوق، مخصص أصلا لاحتواء انتشار الجائحة، و صيانة العيش الكريم للعمال والمستخدمين والمواطنين الأكثر تضررا.

و ما أثارني حقا، هو كم الهائل من التدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي التي شجبت، عن حق، هذه الخطوة، التي تنظر لصندوق، حدد ملك البلاد أهدافه، كـ "غنيمة"، وليس أداة لتدبير الأزمة.

و في الوقت الذي تتسابق فيه المؤسسات العمومية وشبه العمومية والأشخاص الذاتيين، بسخاء، لتوفير السيولة اللازمة، والتي فاقت التوقعات، وبلغت حوالي 15 مليار درهم، لأنه على رأي المثل الشعبي: " الجود من الجدود ماشي من الموجود"، يتفاجأ الرأي العام بتلك الرسالة، وهي الأولى من نوعها، التي ترفعها رابطة إلى رئيس الحكومة، وكأن الهّم الحقيقي ليس هو مواجهة الوباء، و إنما الحصول على نصيب، تيمنا بمنطق: " زيادة الشحم في ظهر المعلوف".

غير أن يقظة الرأي العام ستفوت عليهم هذه "الهمزة" لا محالة، ونشكر كل الذين يسهرون ويساهمون في إنجاح تجربة التعليم عن بعد...