فن وإعلام

بوشعيب الضبار يكتب عن آفة النسيان ويسأل من يتذكر مصطفى بغداد؟

ابتلت الساحة الثقافية والفنية في المغرب بآفة النسيان، ربما لوجود ثقب في ذاكرة المسؤولين عن الثقافة والفنون في البلد، ما داموا  يتنكرون للعديد من المبدعين والمثقفين والفنانين، ويسدلون عليهم  ستار  الإقصاء والتهميش.
لقد أعطى المبدعون الراحلون، بمختلف أصواتهم وأطيافهم وتعبيراتهم، الكثير من الجهد لتشكيل الوجدان وتهذيب الذوق العام، ورغم ذلك لا يتذكرهم   أي مسؤول  في المشهد الإعلامي والثقافي والفني، بعد أن يرحلوا إلى العالم الآخر،  ويحضنهم دفء التراب.
من بين هؤلاء الراحل الدكتور مصطفى بغداد، الشاعر الغنائي  والكاتب والباحث في المسرح والفن بصفة عامة، والأمين العام للنقابة الحرة للموسيقيين المغاربة، التي حملت لواء الدفاع عن الفنانين، وعرفت في عهده تنظيم العديد من التظاهرات، ضمنها مهرجان الأغنية المغربية بمراكش، ومهرجان الأغنية العربية بالدار البيضاء، ومهرجان الأغنية الدينية في الرباط بمناسبة شهر رمضان.
من مؤلفات بغداد كمؤلف، كتاب " المسرح المغربي قبل الاستقلال"، وكتاب " المسرحيات المغربية الأولى 1924 ـ 1956 "، وهما معا يشكلان ثمرة مجهود كبير لم يكن سهلا في غياب المصادر الكافية المرتبطة زمنيا بتلك الفترة، وأبان فيهما عن مقدرة فائقة في تتبع  كل عناصر الموضوع، توثيقا وتحليلا.
أما رصيده الفني كشاعر غنائي بكلمات مجنحة في عوالم الإبداع والتفرد، ترددت أصداؤها على ألسنة الناس، لعذوبتها ورقتها، يكفي أن نذكر من بينها أغنية "أحلى صورة" من تلحين عبد الله عصامي وغناء نعيمة سميح، إضافة إلى مقطوعة " ساعة سعيدة"، التي كانت فأل خير على رفيق دربه وصديقه  محمود الإدريسي، كملحن بعد أن أثبت نفسه كمطرب صاحب خامة صوتية متميزة، وأسلوب خاص في الأداء.
بلا مناسبة، ولا  ذكرى  وفاة، يطل علي وجه المرحوم مصطفى بغداد كصديق عزيز  طالما تقاسمنا معا أجمل اللحظات، رفقة صديقنا المشترك محمود الإدريسي، (الصورة) في لقاءات طالما امتدت لساعات طوال، محورها هو  الحديث عن الأغنية المغربية وضرورة الارتقاء بها إلى مستوى الطموح.
ورغم المرض الذي أصيب به في السنين الأخيرة من حياته، وواجهه بشجاعة، فقد كان صاحب إرادة قوية تنتصر على العراقيل والصعاب بالتضحية ونكران الذات، حرصا منه على أن يتبوأ الفن مكانه الجدير به كواجهة مضيئة تشع بأنوار حضارة البلد.
ظل على هذا الحال، إلى أن أسلم الروح لخالقها، وهو ممسك بالميكروفون في قاعة سينما هوليود بمدينة سلا، في يونيو  سنة 2012 أثناء تقديمه للسهرة الختامية لمهرجان الأغنية، في مشهد خلف حزنا بليغا في نفوس الحاضرين، لينضاف اسمه إلى لائحة فنانين سقطوا مثله  أمام الجمهور أثناء تأديتهم لوصلاتهم الفنية، أمثال المطرب السعودي طلال مداح، بمدينة أبها، سنة 2000وقبله المغني اللبناني نصري شمس الدين، سنة 1983في دمشق وغيرهما.
رحم الله الجميع.