قضايا

ماذا ينتظر الفلاحون الفقراء من الدولة؟

مصــطفى غَــلْمَـان

بالإضافة إلى كل ما يحمل من أثقال ذلك الفلاح، المواطن البسيط، الذي يعيش على فتات الأرض وخشخاشها، حيث انهيار سقوف اقتصاد الأسرة الفقيرة إلى ما دون الصفر، ينضاف هذه السنة إلى الأثقال المنتظرة المشؤومة موسم فلاحي جاف وندرة للمياه تخطف القلوب، كما يخطف الموت فريسته.

وثالثة الأثافي وصول الوباء العالمي كورونا إلى المغرب، غير عابئ بما تحمله الوضعيات الاجتماعية الخطيرة من سوء وعلات لا نظير لها على الإطلاق.

السنة العجفاء التي تطل علينا، بعد انحباس التساقطات المطرية طيلة الشهور القليلة الماضية، دليل آخر على فظاعة واقع الفلاح الصغير وأسرته التي كانت ومازالت تعتاش على مردوديات ضعيفة جدا، ترتكز على الأسواق الأسبوعية والغلال الموسمية، والمنتوجات المحلية اليسيرة.

سيضطر الفلاحون المهمشون في الأرياف والمداشر والقرى البعيدة إلى إعادة تدوير علاقتهم بالحياة الشظفة، وترقيع يوميات البحث عن الماء وغلة الرزق، بعد أن تنفد كل مدخرات الصبر وانتظار ما لا يأتي في زحمة الخسائر التي قد تأتي على أقل القليل مما يملك، رؤوس أغنام وأبقار عجفاء وبعض تين ناشف!.

الأمر لا يحتاج إلى كثير تفكر، هناك مشكلة قائمة منذ عشرات السنين، أننا في كل مرة نستسقي ونرفع أكفنا للباري عز وجل، وهذا واجب ديني وأخلاقي؛ لكن قسوة تحليل الظرفية الاقتصادية لكل موسم فلاحي تحتاج منا الذهاب بعيدان في اتجاه تفكيك وإعادة تحليل رؤيتنا للواقع.. فالاعتماد على التساقطات كل سنة هو تكريس للوضعية، وتجريف لكل البديهيات الاقتصادية والعلمية القائمة على البحث في الحلول والمستجدات، وتغيير المواقع والإستراتيجيات، وإعمال العقل وتنظيم الاختيارات.

الفلاحون الذين يعولون على انتعاش طفرة الزراعات البورية سئموا من الاقتراض والتهميش وتحويل كل مجهوداتهم إلى ريح صرصر عاتية، لا يد لهم في ما هم مقبلون عليك، من الضنك والشدة والبؤس وطول الانتظار.

والذي يزيد الطين بلة الأرقام المخيفة التي تترجم تراجعات خطيرة في نسبة الملء بحقينة السدود إلى ما دون 45 في المائة عوض 60 في المائة خلال الفترة نفسها من العام السابق؛ وهو ما يكرس المزيد من الهبوط والنقصان على مستوى فرشاة المياه الجوفية، بما فيها الآبار والوديان والعيون النابعة...إلخ.

ويزيد الأمر سوءا عندما يتعلق الوضع بمنظومة فلاحية متسلسلة، فنقصان المياه هو واحد من أسرار ارتفاع فواتيره، وغيابه هو غياب افتراضي لكل ما يرتبط به بعيدا أو قريبا، كالمواد العلفية، التي ستشهد في الأيام القليلة القادمة زيادات صاروخية، لا تتماشى ومداخيل المنتجات الفلاحية المتدهورة أساسا، إذ إن مربي الماشية ومنتجي الحليب يدقون ناقوس الخطر بعد التأكد الصريح من أن وضعية قطاعهم على حافة الإفلاس، ما ينذر بخسائر كبيرة للفلاحين عامة و"الكسابة" منهم بصفة خاصة، ما ينعكس بداهة بشكل سلبي على الأسعار لجميع أنواع المواشي واللحوم.

كثيرا ما نقرأ معطياتنا الفلاحية على أساسات بنائية غير مندمجة، فالوضع المناخي ببلادنا الذي يتسم غالبا بالجفاف وقلة سقوط الأمطار وندرة المياه هو موصوف هيكلي، وإدارة أزماته لا تتفاعل والمعطيات العلمية، بالجاهزية الكافية والتخطيط العقلاني، بل تكون ردود الفعل القائمة من قبل القطاعات الوصية مرتبطة بالأفق الضيق والتبخيس النظري، وهو ما يجر علينا نفس تداعيات الموجات السابقة، التي ارتكنت إلى الصمت، واحتجبت عن دراسة المآلات والاعتبارات التي من شأنها تحميل بدائل وقطعيات التغيير واستدراك الأخطاء، من أجل عدم الوقوع فيها من جديد.

لا يجادل أحد في أهمية القطاع الفلاحي ببلادنا، لكن هذا المعطى لا يمكن تأجيل إعادة بنائه وترقيته، في الاتجاه الذي تكون فيه عملية التصحيح تروم رد الاعتبار للفلاحين الصغار، الذين غالبا ما تجعلهم الدولة حطبا مشاريعها الفاشلة، بدءا بما ادعته في الكثير من مخططاتها الخضراء والصفراء من أنها تمنحهم فرصة تجسيد هذه التنمية في فلاحاتهم التضامنية، أو عبر تقييدهم بمجموعة من الالتزامات والعقود التافهة، التي تستنزف قدراتهم ومدخراتهم، في مشهد سريالي، لا يخفى على كل لبيب عاقل. بعدها تجدهم يلهثون في المحاكم ويستنجدون مخافة وضع اليد على أراضيهم، رغم صغرها وتفاهة قيمتها أمام آلاف الهكتارات التي تستنزف باسم القانون، و"على عينك آبن عدي!".

فمن يعيد الاعتبار للفلاحين المهمشين الذين ينتظرون ساعة رحمة السماء وسقاية التراب من آفة القحط والخسران؟!.