رأي

سناء تراري: انا وروايات "عبير"

1- أنا وروايات "عبير"
اشتقت لروايات عبير، روايات الجيب تلك العجيبة الرشيقة الجميلة ذات الأغلفة الملونة البراقة وهي تحمل صور لنساء فاتنات ورجال أبطال ذوي وسامة في الخلفية، اشتقت لتلك الروايات رغم نمطيتها وبساطة لغتها وخلوها من أي رسائل هادفة، رغم كل عيوبها ورغم أنني كنت أقرأها خفية عن والدي وعن إخوتي الكبار، اشتقت إليها لأنها كانت تجعلني ألتهمها كسنجابة ثم أهرع إلى الكتبيِّ لأغيرها مقابل نصف درهم حتى أتيت على كل أعدادها فانتقلت لقراءتها بالفرنسية إلى أن أنهيتها كذلك وأحيانا كنت أقرأ بعضها أكثر من مرة، اشتقت إليها لأنها جعلتني أواظب على القراءة في سن صغيرة بعد أن أنهيت قراءة كل أعداد ماجد والمكتبة الخضراء وقصص الأنبياء وغيرها من المجاميع التي تمدد مرحلة عيشنا للطفولة، جاءت روايات عبير لتسد ذلك الفراغ الهائل في أدبٍ يستهدف اليافع والمراهق، قرأتها بنهم ثم تجاوزتها...لأنها جعلتني بشكل أو بآخر أكبر ... أكبر وأتجاوزها...أكبر كقارئة ...أكبر كمتذوقة وأبحث عن ما هو أفضل.
2 – أنا وروايات "عبير"
كانت سلسلة روايات عبير من الروايات الممنوعة والمحرمة على المراهقات والمراهقين، ولتقرأها عليك أن تنزوي في ركن أو أن تختبئ في مكان قصي ولا تنس أبدا أن تضعها تحت الوسادة أو تحت السرير قبل أن تنام، وأحيانا كانت تروج بين أيدينا أعداد منها مبتورة الغلاف، فرسومات الجميلات ذوات العيون الزرق والخضر والوسيمين ذوي العضلات المفتولة والشعر الأشقر ...كافية لإدانتك بحيازة مادة محظورة. كما أن صور الجميلات تجد لها مكان على جدران المراهقين والشبان.
كل هذا المنع من طرف الرقابة الأبوبة والأخوية يعود لكونها تشمل قصص حب وعشق ووفاء وغيرة وغيرها من المواضيع التي تعزف على نفس الوتر، فالحب طابو وعيب و"حشومة" علينا التبرؤ منه، ثم لماذا يمنعوننا من قراءة ما يدعون أنهم لا يحبونه ولا يقرؤونه... تلمع الإجابة في ذهني... ويزداد الإصرار على قراءة الروايات العجيبة وتروج أكثر فأكثر من يد إلى يد ومن محفظة إلى أخرى ومن تحت مخدة إلى تحت السرير، تحتفظ الروايات بمكانتها وتحافظ على قرائها ويجني الكتبيُّ ثروة لا بأس بها من تجارة ما كانت لتبور لولا تضاؤل القراء.....
من ذكرياتي مع روايات عبير التي لا تنسى أنني بدأت رواية في الليل ووصلت معها ذروة التشويق والإثارة لكن النوم غلبني ولم أكملها وفي الصباح كنت مجبرة على القيام بالواجبات المنزلية، وبعد أن غادر الكل المنزل صباحا بقيت أنا وجدتي التي كانت في طابق آخر وأسندت إلي مهمة طهي الخبز في الفرن وكالعادة نضدت "الخبيزات" في الفرن وعدت إلى روايتي أعانق أبطالها بعد فراق ورحلت إلى ذلك العالم الجميل المبهر، أبتسم حينا وأحزن حينا، ولم أستيقظ إلا على صوتي جدتي تولول وهي تحمل في يدها خبزة سوداء، لقد احترقت الخبز تماما وكانت الرائحة تملأ البيت ... كان يوما صعبا حقا، اشترينا فيه الخبز من السوق وهو شيء كان غير مقبول.. وأتذكرُني وأنا أجلس على مائدة الغذاء مطاطأة الرأس بالكاد أمد يدي للطعام ولا اجرؤ على رفع عيني حتى لا أتعرض للنهر ...مرة أخرى .
3 - أنا وروايات "عبير"
من ذكرياتي مع رويات عبير التي لا تنسى أنني بدأت رواية في الليل ووصلت معها ذروة التشويق والإثارة لكن النوم غلبني ولم أكملها وفي الصباح كنت مجبرة على القيام بالواجبات المنزلية، وبعد أن غادر الكل المنزل صباحا بقيت أنا وجدتي التي كانت في طابق آخر وأسندت إلي مهمة طهي الخبز في الفرن وكالعادة نضدت الخبيزات في الفرن وعدت إلى روايتي أعانق أبطالها بعد فراق ورحلت إلى ذلك العالم الجميل المبهر، أبتسم حينا واحزن حينا، ولم أستيقظ إلا على صوتي جدتي تولول وهي تحمل في يدها خبزة سوداء، لقد احترقت الخبز تماما وكانت الرائحة تملأ البيت ... كان يوما صعبا حقا، اشترينا فيه الخبز من السوق وهو شيء كان غير مقبول.. وأتذكرني وأنا أجلس على مائدة الغذاء مطاطأة الرأس بالكاد أمد يدي للطعام ولا اجرؤ على رفع عيني حتى لا أتعرض للنهر ...مرة أخرى .