قضايا

عن الاغتصاب وغشاء البكارة

جواد مبروكي*

في ممارستي اليومية وفي أبحاثي الميدانية، كثيرا ما أسمع مراهقات وشابات ونساء متزوجات قائلات "أْتْغْتَصْبْتْ والحمد الله ما وْقَعْلي وَلو". كما يستشيرني الوالدان لأن ابنتهما كانت ضحية للاغتصاب أو الاعتداء الجنسي قائلين "ولكن بعد فحص أخصائي أمراض النساء، الحمد الله ما وْقْعْلْها وَلو". ما هذا التناقض؟
من الواضح أن الشيء المهم بالنسبة للمغاربة هو سلامة غشاء البكارة، لكن الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي في حد ذاته ليس له أهمية بالنسبة لهم.
ولكن من حيث التوازن النفسي ونمو الشخصية فإن فعل الاغتصاب بحد ذاته هو الذي يدمر الضحية إلى الأبد إذا لم يتم الاعتناء بها نفسياً على الفور مع اللجوء إلى العدالة. لسوء الحظ ليس فقدان غشاء البكارة نفسه هو الأمر الخطير بالنسبة للصحة النفسية والاجتماعية للضحية.
1- لماذا يعتقد المغاربة أن الاغتصاب هو فقدان البكارة؟
أ- الخلط بين الاعتداء الجنسي والاغتصاب عندما تكون الضحية طفلاً
عندما تكون الضحية قاصرًا أو طفلًا، فإن الاعتداء الجنسي حتى دون اختراق هو اغتصاب بدني وانتهاك للثقة لدى الطفل في الشخص البالغ مثل الأب والعم. وفي مرحلة المراهقة يدرك المراهق أنه قد اغتصب لما كان طفلا وتصبح حياته جحيمًا من المعاناة النفسية والاجتماعية.
ب- غياب التربية الجنسية
- عند الوالدين
غالبًا ما يكون الوالدان على علم وخاصة الأم بأن طفلهم قد تعرض للاغتصاب الجنسي، لكنهم في كثير من الأحيان يصمتون لعدة أسباب.
إذا كان الأمر يتعلق بالفتاة، فسوف يقومون بفحص غشاء البكارة بسرعة عند الطبيب ويصمتون خوفًا من ألا تتزوج ابنتهم أبدًا. ولما يتعلق الأمر بالذَّكر يعتقدون أنه لا يهم لأنه لا يوجد لديه غشاء البكارة. ولكن أيضًا ونظرًا لأن المغتصِب يكون في كثير من الأحيان من الأقرباء، نرى الوالدين يفضلون السكوت خوفا من العار ويخشون اندلاع ازمة عائلية.
ولكن إذا كان الوالدان على دراية بالتربية الجنسية، فسيتم إخطارهما بأن هذا الاغتصاب سوف يدمر التوازن النفسي وتطور طفلهما (كان فتى أو فتاة) ويجب عليهم القيام بالخطوات الواجب إتباعها لإنقاذ طفلهما من شدة عواقب الاغتصاب.
- عند الأطفال
إذا كان الطفل قد تلقى تربية جنسية من والديه ومن المدرسة، فسوف يكون قادرًا على معرفة أنه يجب احترام جسده ولا أحد (معلم، مدير، إمام، عم، خال، جار...) له الحق في لمس أعضائه الحميمة أو خلع ملابسه وتقبيله. وسوف يكون الطفل أيضًا على علم على ما يجب فعله في مثل هذه الظروف وخاصةً إنذار والديه على الفور.
2- الخلط بين غشاء البكارة والعذرية عند المغاربة
- يتم فرض العذرية وفقًا لجميع الديانات على الذكر والأنثى وحفظ العذرية يعني "البقاء عفيفًا حتى الزواج". وبمعنى آخر تحظر جميع الديانات ممارسة الجنس قبل الزواج لكل من الأولاد والبنات.
- غشاء البكارة هو غشاء مهبلي فقط مع العلم أن 10 إلى 20٪ من الفتيات يولدن بدون غشاء البكارة وممارسة الجنس مع حماية غشاء البكارة هو فقدان العذرية وفقا للتعاليم الدينية.
3- عواقب الاغتصاب
أ- عند الأطفال
العواقب ضخمة وخطيرة في غياب الدعم النفسي وأهمها كالتالي:
الاكتئاب
الشعور بالذنب
يشعر الطفل المغتَصب بالذنب لأنه تعلم أن الجنس "حشومة" وأن عنف الآباء يجعله كذلك يخشى التحدث معهم في ما حدث له ويعلم جيدا أنهم سوف يوبخونه ويحملونه المسؤولية مثل "وْ عْلاشْ مْشِتي مْعاهْ وْ خْلّْتيه يْقيسْ فيكْ"، جملة خطيرة للغاية تجعله يشعر بالذنب بينما هو قاصر وضحية المجرم.
- اضطراب النوم والأكل والتركيز والسلوك والتعليم
- المبالغة في الخجل والعزلة والانطواء
- سوف تكون حياته الجنسية غير مرضية ومضطربة للغاية في المستقبل
- علاقة سيئة مع جسده
- فقدان الثقة بالنفس طوال حياته
ب- عند البالغين وخاصة النساء في غياب الرعاية النفسية
- فقدان احترام الذات
- الشعور بالعجز
- الاكتئاب
- الإحساس بجسم "قذر" مع احتقاره ومضاعفات خطيرة مثل المبالغة في الغسيل والنظافة والإصابة بمرض "الوسواس القهري"
- الشعور بالخجل والانطواء
- الشعور بتكرار الاغتصاب في حياتها الجنسية عند كل ممارسة مع الزوج
4- ما الذي يجب على الآباء فعله إذا تم اغتصاب طفلهم كان فتى أو فتاة؟
أ- تجنب استشارة طبيب أمراض النساء على الفور
يشبه فحص فتاة صغيرة أو مراهقة للتحقق من سلامة غشاء البكارة تكراراً للاغتصاب بالنسبة لها لأنها لا تستطيع تحمل لمس جسدها وبالخصوص الجزء الحميم من شخص غريب في هذه المرحلة. وهذا الفحص ليس عاجلاً ويجب على الوالدين الانتظار بينما يقوم الأخصائي النفسي بإعدادها نفسياً لمثل هذا الفحص العنيف في حالة الضرورة فقط.
ب- استشارة أخصائي نفسي
يُعد الدعم النفسي أمرًا ضروريًا لمساعدة الضحية على التعبير عن شعورها أثناء الاغتصاب ومساعدتها على عدم الشعور بالذنب والقبول بأنها قد وقعت ضحية تامة ومساعدتها في إعادة بناء شخصيتها ومنع التداعيات النفسية للاغتصاب.
د- اللجوء إلى العدالة
يجب على الآباء التغلب على العار العائلي و"لحشومة" وتقديم شكوى ضد المجرم حتى لو لم يكن لديهم أدلة وشهود أو يخبرهم المحامي عدم التماس العدالة. لا يهم إذا كان الوالدان سوف يربحان القضية في المحكمة أم لا لأن الأهم بالنسبة للضحية هو أن اللجوء إلى العدالة يشكل تعويضًا نفسيًا ثمينا حيث يمثل اعترافًا اجتماعيًا وعائليًا بأنها قد وقعت ضحية للمجرم وتصل إلى البراءة النفسية.
4- ما الذي يجب على البالغة فعله عند الاغتصاب؟
يمكن الحصول على إعادة بناء الشخصية والتعويضات النفسية عن طريق اللجوء إلى الرعاية النفسية بشكل عاجل واللجوء إلى العدالة بشكل إلزامي.
إن التزام الصمت في حالة الاغتصاب الجنسي لدى كل من الأطفال والبالغين له عواقب وخيمة على الرفاه النفسي للضحية ويشجع كذلك المغتصِبين المجرمين على مواصلة إجرامهم والرفع من عدد الضحايا.
*طبيب نفساني وخبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي