تحليل

رقميون والله أعلم..

عبد العزيز المنيعي

امام ما يجري وما يعتمل داخل مجتمع الإفتراض الذي فرض سلطته على الواقع وألغى كل شيء، وما نسمعه ونتابعه يوميا من مستجدات في العالم الرقمي، وخاصة على مستوى التواصل الإجتماعي.
نطرح هذا السؤال البسيط... هل انتظر "شعب الفاسبوك" الحق في الولوج إلى المعلومة لينشر غسيلنا في حبال رقمية تحتمل كل الرياح؟
أبدا لم يكن الحق في الولوج إلى المعلومة من إنتظارات هؤلاء، بل هم صاروا يصنعون المعلومة وينشرون المعلومة ويوسعون المعلومة أيضا.
صارت المعلومة ضربا من ممارسة يومية مثل هواية، لكنها في المقابل كانت لها آثارها الجانبية السيئة. فذلك البحث اليومي عن ماء المعلومة لإرواء عطش الفاسبوكيين و الفاسبوكيات من كل انحاء العالم، صار نوعا من التخلي عن أخلاق أساسية، اكتسح معها يوميات الإعلام المغرب..
فالشاب الذي يمر بجانب طفل تكاد تدهسه سيارة و يقف ليصور المشهد دون أن يحرك الساكن لانقاد الطفل، رسخ لدينا الإحساس بالغربة و الخوف، الغربة من الذين يحيطون بك فهم لا يعنيهم ألمك، والخوف من أن هؤلاء لا يهمهم تعرضك للمأساة بقدر ما تهمهم نتائجها و كثرة التعليقات و "الجيمات" و ارتفاع نسب المشاهدة.
طبعا لكل شيء ضريبته، وضريبة الانترنيت انها وسعت الهوة بيننا، جعلتنا قارات متباعدة ولو كنا في منزل واحد، جاءت لتكمل عمل التلفزيون الذي توارى خلف رداءة المنتوج المغربي. على الأقل ما عاد التلفزيون المغربي بكل قنواته يغري بالمشاهدة بل يغري بالهجرة وبالحديث مع شريكك في السكن و الحياة. لذلك فنحن ندين بقليل من حميميتنا لهذه الرداءة التلفزيونية المغربية.
في المقابل صار الأنترنيت سيدا دون منازع، وصار الواحد منا يصنع متعته ويشاهدها و يتقاسمها ويحللها و يناقشها و يتنافس في الإتيان بأفضل منها. حتى الأصوات الغنائية الشابة هربت بعيدا عن الدعم ومعاييره وكلمات الأغاني والألحان العميقة إلى "كوكوط" الأنترنيت وصارت تلك الأصوات تتباهى بنسب مشاهدة و استماع ما كان عبد الهادي بلخياط أو الدكالي أو نعيمة سميح ليحلموا بها.
هل نحن رقميون أم واقعيون؟
نحن نعيش لحظة مشتركة مع العالم لكن في عزلة كاملة عن بعضنا، بتنا غرباء في يومياتنا وما عاد لنا ملجأ من ألم العزلة غير كسرها بالصور والتعاليق والأحلام التي يحققها الافتراض أسرع من الواقع. حتى النجوم باتوا نجوما في الافتراض لكنهم غير مرئيين في الواقع اليومي. تخلوا عن حقيقتهم في مقابل حفنة من التعاليق و" الجيمات".