رأي

إدريس الواغـيش: حَـول إلزامِية الحُصول على شهَادات عُـليا...!!

لا يفهم الكثيرُ من الغوغائيّين، الذين يدوّنون ما يحلو لهم في الظلام وراء شاشاتهم، أن الحُصول على الشهادات الجامعية، كيفما كان نوعها في مختلف ربوع العالم، هو بداية لمسار علمي مستقبلي أولا، وفرصة للترقي ثانية، رغم أنهم لا يعرفون مُتطلبات الحُصول عليها وصعوبتها ولا الطريق للوصول إليها؛ ولذلك على الدّولة المغربية، في شخص وزارة التربية الوطنية، أن تلزم جميع موظفيها، وخصوصا رجال ونساء التعليم، بالحُصول على شهادات عُـليا في مجالات تخَصُّصاتهم، وهكذا يكون لزامًا على حامل شهادة الباكالوريا أن يحصُل على شهادة أعلى هي شهادة الإجازة، وعلى حامل الإجازة أن يحصُل على شهادة الماستر، وعلى حامل الماستر أن يبذل مجهودات أكبر من أجل الحصُول على شهادة الدّكتوراه، ومن لم يستطع إلى ذلك سبيلا، وهذا وارِدٌ جـدًّا لأسباب مَوضوعية وذاتية، عليه أن يقوم بدراسة أو بحث في موضوع نظري يُدَعِّـمُه بآخر ميداني أو تطبيقي وفق معايير منهجية، ثم يعرضه في ورقة أمام لجنة علمية في جلسة عامة، وليس وراء الأبواب المُغلقة، تفاديا لأيّ التباس قد تلعب فيه المَعارف (بمفهومها الخاص) والعلاقات دَوْرَها، وتتـمّ مُناقشة ما ورد فيه أمام الجميع، كما يحصل عادة أثناء مناقشات الماستر أو أطروحة الدكتوراه في الجامعات المغربية؛ وبالتالي يستفيد هو نفسه ويطوِّرُ مهاراته المُكتسبة ومعارفه في مجال حيوي مثل طرق التدريس والتعليم، وهو مجال لا يتوقف عن التطوُّر باستمرار..هكذا يفيدُ معه الجميع، بمن فيهم طلبته وتلاميذه وتلميذاته.
هذا هو المعيار الحقيقي للترقي، وليس ما هو مُتعارف عليه حتى الآن، ليعرف العَـدَمِـيّون وأعداءُ النّجاح والمنتقدون وراء شاشات الحاسوب أو على الصّفحات الزّرقاء المَشبوهة في الافتراضي معنى أن تحصُل على شهادة عُـليا في الواقعي وفي الجامعة المغربية تحديدًا، وما يطلبه ذلك من بذل مجهودات مالية من أجل شراء الكتب والمراجع، وفي كثير من الأحيان تكون على حساب مَصرُوف الجيب أو القوت اليومي للأسرة وحاجيات المنزل عمومًا؛ ولكي يعرف هؤلاء أن الحُصول على كتاب "الكينونة والزّمان- Etre et Temps" لمارتن هيدغر مثلا يلزمه السّفر من فاس (العاصمة العلمية للمَملكة يا حَسرتاه) إلى الرّباط، وأداء 600 درهم، أي "اثنا عشر ألف ريال" بالتمام والكمال، وهو ما يعادل يومين من العمل بالنسبة للمُرَتّبين في السّلم (11)، وأكثر من يومي عمل بالنسبة لمن هم في سلالم أدنى، وأن الإصدار الأخير للدكتور عبد الرحيم جيران على سبيل الحصر لا الذكر: "الذاكرة في الحكي الرّوائي- الإتْـيَان إلى الماضي من المُستقبل" يُناهز 200 درهم، وكتاب "الوُجود والزّمان في الخطاب الصّوفي عند مُحيي الدّين ابن عَـربي"، لمحمد يونس مَسروحين (الإندونيسي) يناهز 200 درهم. ويبقى الحديث عن كتب أو مراجع أخرى ذات أهمية وبلغاتها الأصلية مختلفا..هنا حدِّث ولا حرج عليك، لأن بعض الكتب قد يتجاوز ثمنها الألف درهم..!!.
حينما يُسافر هؤلاء إلى الرباط لاقتناء كتاب أو مرجع يعرفون أن السّماء لا تُمطر شهادات، ويعرفون أيضا معنى أن تحصل على شهادة عليا، لا لتترقى بها فقط، كما هو واجب من الناحية الأخلاقية على الدولة والجهات المسؤولة أو الوصية على القطاع، المفروض فيها أن تشجّع على الأخذ بالعِـلم وتدعّـم طالبيه، لا أن تطحن عظامهم في ليل الرباط البارد، لمجرد أنهم يُطالبون بحقهم البسيط والمُتمثل في الترقي بالشهادة وتغيير الإطار، بالإضافة إلى مجهودات أخرى فكرية ومعنوية تُـبذل للمُزاوجة بين الضّمير المِهْـني، في مِهنة الضّمير، والتّحصيل العلمي والأكاديمي؛ إذ لا يجوز أن يُرتقي حاملو الباكالوريا ومن دُونَهُم إلى السلم 11 وما يليه من رُتب وإلى خارج السُّلم، وتُـقلب المُعادلة فيُـدَرِّسُ مَن هُم في مُستويات علمية أدنى مُستويات عُـليا من مُستوياتهم، ويبقى حاملو الشهادات العُـليا يدرِّسون مُستويات أدنى ويتقاضون أجورًا أقل ممّن هم دون مُستواهم، وأيضا لا يستفيد مَن هُـم في حاجة إلى مَعرفتهم ومعارفهم التي تُساير العَصر، من علوم معرفية حديثة حصلوا عليها في مدرجات الجامعات على امتداد التراب المغربي، بل أكثر من ذلك، يكونون تحت رحمة رشّاشات الغَـزالة "كْـرِيسْتِـينَا" الزّرقاء الوَديعة...!!.
وهي مناسبة أيضا لمن يكثرون من الكلام "الفاضي" وانتقاد حاملي الشهادات العليا في الافتراضي والصّفحات المَشبوهة كي يتفرَّغوا لما هُـو أهَـمُّ وأسمى: التّحْصيل العِـلمي والأكاديمي، من أجل تطوير مَهاراتهم وقُـدراتهم العِـلمية والمَعرفية خدمة لتعليمنا المغربي، والرُّقيِّ به إلى ما هو حداثي وراق نطمح إليه جميعا كمغاربة، بحثا عن جَـودة نشكو من افتقادها في تعليمنا المغربي في الزّمن الرّاهن على الأقل.