رأي

ادريس الروخ: الممثل والألم

يعتمد المسرح خاصة والإبداع عامة على التجربة الذاتية في التعامل مع انفعالات الشخصيات التي تكون محور اشتغال الممثل... كل الشحنات السلبية في حياة الذات المبدعة... بكل تلويناتها القاتمة... وبكل قساوة الظروف التي تحيط بها او الأحداث المفاجئة التي قد تطيح بعقل وقلب وجسد الممثل .. هي في حقيقية الامر شحنات إيجابية يقوم بتخزينها في حقيبته الافتراضية ويصنفها بحسب أهميتها ويستعملها بعد ذلك عندما يشغل احاسيسه لبناء انفعال ما في زمن ما من اجل شخصية ما... وبهذا يستفيد منها ويفيد في نفس الان عن طريق عملية توزيع الاحاسيس لجمهوره الذي ينفعل مع انفعالاته ويتأثر بكل مايقوم به من افعال درامية نابعة من دواخله..
ان فعل تجريب الاحاسيس في الحياة الخاصة للممثل هو فعل حقيقي ..خاضع لكل ما يقع في دائرته الخاصة سواء تعلق الامر بمجتمعه او بذاته او بميولاته الشخصية في اختيار طريقة عيشه بشكل او باخر قد يخلق له الكثير من المعاناة ..ويحدث في نفسه جرحا عميقا ،.مؤلما ..يبعده عن دائرة الضوء التي كانت مسلطة عليه في فترة من الزمن ليتحول الضوء الى حلكة مخيفة ..تفزعه وتفرغه من كل لحظة آمل ..تدمي قلبه ..وتحبس انفاسه ..وتسلبه لذة الانطلاق من جديد في عوالم صفحات الحياة .
قد يحدث ان يعيش الممثل حالات الم متعددة ..بين حالاته النفسية والاجتماعية وظروفه المادية ورغبته في تحقيق حلم من احلامه الكثيرة ،.وبين مايواجهه في إبراز مؤهلاته ..ومواهبه ..وانسداد أفق الوصول لمبتغاه ..وبين قسوة الزمن في الهروب بعيدًا بعمره وبجسده الذي يذبل رويدًا رويدًا دون ان يستعمله في تقمص تلك الشخصيات التي تسكنه وتسبب لها قلقا مستمرا وتعلن من حين لآخر عن نهايته ..
النهاية هي نوع آخر من الألم المر القاسي الذي يفعل فيه مايفعل داء السل في جسد منهك ..ليس به مناعة .
لكن ماذا يمثل الألم للممثل خصوصًا في بناء الشخصيات وتركيبها تركيبًا صحيحا يجعلها قابلة لتصديق وغير مبالغ فيها ..بل يجدها المشاهد واقعية ومنطقية وذات جدوى ..
فالألم في التدريب المسرحي مثلا لا الحصر هو نوع من ترويض الجسد والروح في خلق انسجام تام مع فعل التمثيل وتكوين الشخصية وتقديمها بشكل مادي لتتفاعل وسط الركح مع باقي الشخصيات ..
التدريب هنا يلزم ذات الممثل من استعمال أدوات وتقنيات عديدة من اجل فهم وتحليل وتشريح الشخصية ..وهذا لا يتأتى الا بجهد عضلي وفكري وإحساسي يخلق نوعًا من الألم الداخلي ..الذي يسبب عدم الرغبة في الاستمرار وقد يخلق احساسا بالفشل او الإحباط ..وهنا بالذات تكمن عملية الابداع الحقيقية ..خصوصا اذا كان الممثل ذا دراية بأهمية هذه المرحلة في تطويع انفعالاته واستثمارها استثمارًا حقيقيًا يجعله منتجا للاحاسيس ..التي هي أصلا كانت قابعة في مكان ما ..تنتظر فرصة للانطلاق بعيدا والتعبير كما خزنت في فيما مضى ..
ان الألم يعتبر اهم ركائز الممثل في خلق سعادة شخصياته التي يمثلها لاحقًا