قضايا

الهاربون من الحياة..

عبد العزيز المنيعي

يوميا تطلع علينا أخبار الإنتحارات، شاب هنا، وشابة هناك، ورب أسرة في هذه المدينة وسيدة مسنة في تلك القرية... تتناثر الاخبار التي باتت عادية حول إنتحارات متفرقة في عدد من المدن ويبقى قاسمها المشترك هو إنهاء الحياة لسبب أو لأخر..
هذه الأخبار وتلك الأعداد تبدو عابرة ضمن شريط إخباري متوالي، لكنها تظل إستثنائية بحكم العديد من العوامل، اولها العقيدة، و ثانيها الأعراف المجتمعية و ثالثها صورة أهل المنتحر التي تلتصق بها حالة انتحار مدى الحياة.
حالات الانتحار تدعونا إلى تفقد حواسنا وأعصابنا والعناية بصحتنا النفسية والعقلية، فالجنون ليس أوج الخروج عن المعقول، بل هناك امراض نعيشها و نتنفسها في يومياتنا، وهناك مرضى يعيلون أسرا و يدرسون تلاميذ و يعالجون مرضى و يدافعون عن متهمين و يرسمون و يكتبون و يصلحون السيارات و يبيعون الاكل في المحلبات و المطاعم... هؤلاء كلهم نحن نتفرد في حالاتنا و نتحد في صيغتنا الجماعية.
كما لو أننا انهينا مسافة الحياة بفرض الانهزام على أنفسنا... ذاك الرجل و تلك المرأة، كلهم نحن في صيغة الجمع، نحن الذين نستفيق بكسل و نخاف من يومنا اكثر مما نطمع في لحظة مورقة و يانعة تظلل رؤسنا بما تيسر من حلاوة اليومي. هكذا نمر عبر اليوميات في كل صباح، وهكذا تتساوى كل القراءات و التأويلات و التحايل على الوقت، في ذهن المواطنين كافة دون استثناء.
الصباح يبقى مستترا خلف حقائق متوقعة ولا يمكن الخطأ في تخميناتها، لكن طعم الصباح يتغير، و لون الشمس يصبح كئيبا جدا، عندما تغطي الخيبة  نظرنا، ويصبح الخاطر مكسورا يبحث عن جبر ضرره العميق بما تيسر من حلم..