رأي

مصطفى غَــلْمَـان: لماذا نحن هنا !؟

يجهل الناس كيف يكون الشيء مختلفًا ومتفقًا مع نفسه، فالائتلاف الهارموني يقوم على الشد والجذب بين الأضداد، كالحال في القوس والقيثارة”
– أرسطوطاليس –
1 -يقتضي السؤال الوجودي “لماذا؟” حيازة أسبقية الجواب عن متاهة السؤال المزدوج ” من نحن؟”، ذلك أن الإنسان بوصفه قيمة اجتماعية وأخلاقية مجردة، أو بوصفه ذاتا مفكرة لا يكتسب إلا قيمة خارجية نفعية، فهو إذن كائن إشكالي متحرك، نافذ إلى الوجود بقوة الفعل وممارسة الحياة.
أما “النحن” فهي تعبير عن فعل الذات لا خارجها، وهي متصلة بالوجود الزمني، الذي يشكل طفرة خاصة من الشعور بالتعاقب للحظات آنية متآكلة، حيث يكون ذكاؤنا ” نحن” هو الذي يدرك الوقت انطلاقا من مفهوم الآنية أو الراهن المرتبط بالخصيصة المكانية، كما لو أن هذا الزمن الفيزيائي يقوض الفارق الضامر نفسيا وامتدادا لا شعوريا!
نحن هنا لأجل هذا التحديق في مسافة سؤال “لماذا والذات السائلة”. استمرار في استجلاء كنه وأسرار البقاء والتعالي عن الذات وتحقق بداهة العيش. لكأن هيدغر أدرك هذا المعنى بالإجابة عن فكرة الموت، التي تنبري لحظة السكون، في انتظار انفجار الفكرة، يقول ” فأنا لا أموت لأنني كائن زمني وخاضع لقوانين الزمن، وإنما من دون تيقني بالموت لن يكون هناك قلق على حياتي. بما أن لا أحد ينوب بموته عني، ولا أحد قادر على أن يحيا لي حياتي: فالموت هو الذي يجعل حياتنا فريدة”!؟
2 -التغيير ليس مستحيلا، والزمن يأكل بعضا من تشوهاتنا. ثم يقتدر الإجهاز على ما تبقى من اليوطوبيا التي لا تفارق خطواتنا الحثيثة نحو الرغبة والإصرار.
في كل مرة لا تلبت هذه المتاهة المنتكسة أن تغالب القطائع والمسارات. ربما لأنها تحتاج لنضج أعمق، لحالة تفكير احتجاجي مثير، من أجل أن تنبثق قابليتنا أو جاهزيتنا المحررة من قيود الماضي، وعبوات التشكل والبطء اللزج.
وتعيد صياغة وجود احترازي واع باللحظة، قادر على امتلاك ناصية الإبداع وإعادة البناء.
لكن دونما حاجة إلى فك طلاسم الماهيات وأسئلة المصطلح الفلسفي، الذي يؤخر الفهوم ويؤسس للتوريط السياسي والأيديولوجي.
نحن بحاجة ملحة للاقتناع بمهمتنا داخل الكون، بما هو حقيق بمعرفة الوجود، وتكشفنا على الوعي به وبهدفيته وإدراكه حسا ونقدا وأخلاقا.
القيمة الإضافية الوحيدة التي تدل على سيرورة هذا التفكير ومنطق عودته بقوة إلى واجهة مجتمعنا الفوضوي، هو استعادتنا المتأخرة لقراءة التاريخ بنظر آخر وعقل آخر وأدوات أخرى .. إنها لحظة يقظة توجد في ظل العتمة، تسابقنا إلى تجسير كنه السؤال، الذي كان وسيظل: لماذا نحن هنا؟!.