تحليل

الحكومة تزرع بوادر الفوضى بالمادة التاسعة

منار اسليمي

يوجد تفسير لمضمون المادة التاسعة من مشروع قانون المالية لسنة 2020 خارج مؤشرات فوضى قادمة تؤسس لها الحكومة مع البرلمان على الأقل مجلس النواب في انتظار ماستفرزه نقاشات مجلس المستشارين،ففي مشهد غريب وعجيب وخطير على البلاد برمتها تعمد الحكومة الى منع الحجز على أموال الإدارة العمومية والجماعات الترابية لتضرب بذلك كل المبادئ الدستورية وتفرغ وثيقة 2011 من محتويات جوهرية ،فالحكومة بهذه المادة من مشروع قانون المالية تضع نفسها فوق الدستور وفوق دولة القانون في سابقة خطيرة لايوجد لها مثيل في التشريعات الوطنية .

ومن الواضح أن تمسك حكومة العثماني بهذه المادة يخرق في العمق لما يلي:

 أولا ، أن حكومة العثماني تضع بهذه المادة الإدارة العمومية والجماعات الترابية فوق القانون وتخرق مقتضيات الفصل السادس من الدستور الذي ينص على أن القانون أسمى تعبير عن ارادة الامة والجميع سواء كانوا أشخاصا ذاتيين او اعتباريين ،بما فيهم السلطات العمومية ،متساوون أمامه وملزمون بالامتثال له ،فالمادة التاسعة من مشروع قانون المالية تخلق وضعية لامساواة وحالة من عدم امتثال الادارة العمومية والجماعات الترابية للقضاء انطلاقا من وضعية اللامساواة هذه.

ثانيا : تخرق حكومة العثماني بمقتضى المادة التاسعة من مشروع قانون المالية قاعدة فصل السلطات ( الفصل الاول من الدستور) ،ذلك أنها تُضعف القضاء وتجعله بدون سلطة في مواجهة الادارة العمومية والجماعات الترابية ،فالحكومة تضرب بذلك التطور الدستوري الذي جعل من القضاء ضمانه لحماية حقوق الافراد وتضرب في العمق دستور صك الحقوق.

ثالثا: تؤشر مقتضيات المادة التاسعة على عدم احترام دولة القانون ،ذلك ان تطور المجتمعات يوضح انه “ليس بالخبز وحده يحيى الإنسان ،انه يعيش بالقوانين ايضا “ ،فنحن امام إساءة كبيرة لبناء دولة القانون وضرب عميق لكل محاولات تجدير القانون ،وضرب دولة القانون معناه الذهاب نحو الفوضى ،فالقانون ليس بإمكانه بدون الدولة ان يقفز فوق حالة اللاقانون الموجودة في المادة التاسعة من مشروع قانون المالية .

رابعا: تضرب الحكومة بالمادة التاسعة مبدأ الشرعية ،ذلك أن المقتضى أو الاجراء الذي لايكون مبنيا لا على القانون ولا على العقل والمنطق فهو اذن غير شرعي ،ولايمكن فرض أي إجراء بدون نص ،فالسؤال المطروح على الحكومة في حالة مبدا الشرعية يتمثل في هوية النص الذي تم الاعتماد عليه لسن مقتضيات المادة التاسعة ،فنحن في مجال القانون ولايمكن بناء مقتضيات مخالفة ومعاكسة لكل البناء القانوني .

خامسا: تؤسس المادة التاسعة لسابقة خطيرة تجعل من مبدإ حجية الشيء المحكوم به محدودة جدا ولا اثر لها في مواجهة الادارة العمومية والجماعات الترابية ،وهذا من شأنه ان يخلق في وقت وجيز ظاهرة عدم التقيد بالشيء المحكوم به مما يفتح المجال أمام الفوضى.

ومن الواضح جدا، أن حكومة العثماني تفتح بالمادة التاسعة بابا خطيرا يعود بنا الى سنوات السبعينيات والثمانينيات حيث كان من الصعب على المواطن مقاضاة الإدارة العمومية او المجلس الجماعي وحتى لو ذهب الى القضاء فإنه كان يصطدم باستحالة التنفيذ،ويبدو أننا أمام حكومة تعود الى الوراء وتشرعن لحالة الفوضى بدل ان تقوم بالبحث عن الإجراءات التي تحد من أخطاء الادارة والجماعات الترابية في مواجهة الغير ،والسؤال المطروح يتمثل في مايلي : من أين سيحصل ضحايا الأخطاء الطبية أو الشطط في استعمال السلطة أو الذين تنتزع ملكيتهم من الإدارة أو ضحايا حوادث مهنية وأشغال عمومية مادامت أحكام القضاء ستصبح غير سارية التنفيذ في مواجهة الإدارة العمومية أو الجماعات الترابية ؟

إن الحكومة تشرعن بالمادة التاسعة لحالة من الفوضى ،ويكفى هنا القول أن القانون يصبح ضعيفا وغير نافذ في الحالة التي يكون فيها مشرع القانون هو المخاطب به ،وهنا في المادة التاسعة يبدو ان الحكومة حلت محل البرلمان وكانت هي المشرع والمخاطب بالمادة التاسعة ،هذه الظاهرة الخطيرة موجودة فقط في القانون الدولي الذي يعاني من عدم قدرته على ضبط سلوك المجتمع الدولي لكون الدول هي المشرع لقواعد القانون الدولي والمخاطبة به مما يجعل القاعدة القانونية الدولية ضعيفة وتفتح المجال للفوضى.