تحليل

انهيار المرفق العام بالمغرب

عبد الرحمان شحشي

في العلوم الإدارية والقانون الإداري يجمع الباحثون على الأزمة التي يمر بها المرفق العام، سواء في الغرب أو في باقي دول العالم، ولكن في الواقع هل المرفق العام يعرف أزمة في المفهوم أم أزمة في الوظيفة؟

في الحقيقة لم يعد للمرفق العام ذلك اللمعان والدور المركزي الذي عرفه مع حكم بلانكو (Blanco) الشهير الصادر عن مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 08 فبراير 1873، حيث اعتبر المجلس المرفق العام معيارا ضروريا للتمييز بين القضايا التي تخضع للقضاء الإداري وتلك التي تخضع للقضاء العادي، باعتبار حضور الدولة أو إحدى هيئاتها في العلاقة القانونية بصفتها صاحبة السلطة والسيادة وتسعى لتحقيق الصالح العام عبر مرافقها العامة لسد احتياجات المواطنين.

ولكن بتراجع الدولة عن وظائفها التقليدية (أقل ما يمكن من الدولة) ونهجها لسياسة الخوصصة / الخصخصة، هنا بدأت تظهر أزمة المرفق العام، الذي إن كان ضروريا بالأمس كمعيار للقانون الإداري، فإنه اليوم لم يعد كافيا، حيث أصبح الخواص يتدخلون في مجموعة من الخدمات والوظائف التقليدية للدولة كالتعليم والصحة وشركات الأمن والنقل وغيرها.

إن انهيار مفهوم المرفق العام يدعونا إلى الوقوف على انهيار المبادئ التي أسس عليها، والتي هي:

مبدأ المساواة أمام المرفق العام.

مبدأ مجانية المرفق العام.

مبدأ استمرارية المرفق العام.

مبدأ قبلية المرفق العام للتعديل ﻭالتغيير.

إن بعض المرافق العمومية في المغرب بمختلف أنواعها، الإدارية والاقتصادية والاجتماعية، تعرف تراجعا في إسداء الخدمات للمواطنين–المرتفقين، ويكفي هنا إن نشير إلى مرفق الصحة العمومية كمثال حي عن واقع أزمة المرفق العام بالمغرب بمعناه الوظيفي، فكيف يعقل في دولة عالم ثالثية أن تتخلى عن إعطاء الاهتمام اللازم لمرفق الصحة، فالمواطنون، وبالخصوص الفئات الهشة، يجدون صعوبة كبيرة في الوصول للخدمات في المستشفيات العمومية الجهوية والإقليمية بل حتى في المستوصفات الخاصة بالأحياء، فالأوضاع مزرية، بل ينعدم مبدأ المساواة في الاستفادة من الخدمات ويتصدر مبدأ المحاباة والزبونية والعلاقات العائلية وتنتشر الرشوة للوصول للعلاج الذي هو حق من حقوق الإنسان. وقس على ذلك تراجع مبدأ المجانية، والانقطاع المتكرر في سيولة الخدمة نتيجة كثرة الإضرابات في قطاع الصحة نظرا لتردي الوضعية المادية للممرضين والأطباء والظروف التي يشتغلون فيها، بل تعرضهم للعنف من طرف المرتفقين.

إن واقع حال الصحة "العليلة والسقيمة" في المغرب لا يمكن أن تخفيه "بطاقة راميد" أو غيرها، حيث لا يمكن لصاحبها مثلا الاستفادة من الخدمات الصحة إلا بأخذ مواعيد تفوق الخيال. هذا إذا ما استحضرنا عدد الأطباء في المغرب بحسب التخصصات ونسبتهم لعدد المغاربة، فالمغرب ما يزال بعيدا عن المعدلات العالمية، حيث إن المنظومة الصحية على مستوى العنصر البشري لا توفر سوى ثمانية أطباء لما يناهز 10 آلاف مواطن مغربي، بينما يوجد في المغرب أربعة مراكز استشفائية لكل 10 آلاف مواطن مغربي، وهي نسبة تظل ضعيفة إذا ما أضفنا إليها ضعف عدد الأسرة بهذه المراكز حيث توفر خمسة أسرة لكل 10 آلاف مواطن.

ولهذا نلاحظ المصحات الخاصة تتكاثر كالفطر في هذا المجال الحيوي الذي تخلت عنه الدولة لصالح أصحاب الرأسمال.

*كلية الحقوق – جامعة الحسن الأول سطات