رأي

عائشة العلوي: هل هناك طبقة وسطى في المغرب؟

من الصعب إعطاء تعريف محدد ودقيق لمفهوم الطبقة الوسطى، هل فعلا هناك فئة أو فئات في المجتمع يمكن تصنيفها على أنها طبقة وسطى؟

بالمقابل هناك أسئلة أخرى تفرض نفسها علينا كباحثين ومهتمين هو لماذا عندما نتحدث عن الطبقة الفقيرة والمهمشة، لا يعترينا الارتباك ونكون مستعدين أن نحدد تصنيفا أو تصنيفات من داخلها وبين الفئات المكونة لها؟ لماذا عندما نتحدث عن الفئة المسيطرة في المنظومة الاقتصادية، لا يعترينا، أيضا، أي ارتباك ونكون مستعدين لإعطاء تصنيف دقيق لها وتحديد منطق تَراتُبي لمدى غِنى أفرادها المكونين لها؟ إذا كان من المنطقي وجود طبقة أو طبقات ما بين الفئات الفقيرة والفئات الغنية، أي وجود فئة أو فئات لا تنتمي إلى أي واحدة منهما أو (بصيغة المنطق الرياضي) وجود مجموعة من الأشخاص داخل المجتمع هي خارج هذين التصنيفين وغير متقاطعة معهما، فإن القول بعدم وجود الطبقة الوسطى أمر غير مقبول علميا ومرفوض واقعيا.

التباين وأحيانا التناقض بين أفراد أو فئات الطبقة الوسطى، يجعل إمكانية إعطاء تعريف علمي ودقيق عملية صعبة وأحيانا مستحيلة، لأن هناك عوامل ومحددات متعددة تتداخل فيما بينها تعيق تصنيف أفراد المجتمع أو فئاته حتى يتم تحديد بالدقة المطلوبة مَنْهم داخل الطبقة الوسطى ومن هم خارجها. بيد أن الجواب -في اعتقادي- يكمن في تحديد العامل المحدد لباقي المؤشرات حتى لا نضيع في متاهات ربما تكون بعمق سياسي وطَمَع اقتصادي قد تَحْجُب عن المحلَّل والباحث جزءاً من حقيقة المجتمع الذي يشكل حقل اشتغاله، وبالتالي لن تُمكنه من صياغة النموذج التنموي الملائم للطبيعة البنيوية لهذا الحقل، أي لن تمكنه من تحديد المسار الصحيح لبناء النموذج التنموي لأنه يكون مُؤسس على معطيات "خاطئة" وفرضيات "مغلوطة".

الفئات الفقيرة والمهمشة محددها الأساسي هو المحدد المالي الذي يمكنها من تلبية حاجاتها الأساسية والاجتماعية الضرورية، أي يتم تحديده بعتبة الحد الأدنى لتحقيق هذا الهدف وهي امكانية علمية ممكنة، وعلى أساسها يتم تحديد المستفيدين من البرامج الموجهة لدعم وتحسين ظروفهم. أي أن التحديد المالي (أو بتعبير أكثر دقة تحديد ثروة الفرد : الدخل والممتلكات من شركات وعقارات ورساميل وغيرها ) يمكن من تصنيف وتحديد الفقير وكذا الغني. فماذا بشأن الطبقة الوسطى، هل يمكن الاكتفاء فقط بهذا المحدد

قبل الجواب عن السؤال لا بد من طرح سؤال آخر؟ لماذا يشكل المحدد الاقتصادي في تصنيف الفئات الفقيرة و"الغنية" محددا أساسيا وفعالا من الناحية العلمية، بينما في حالة الطبقة الوسطى يتم عدم الاكتفاء به وأحيانا تقزيم أهميته؟

الجواب يكمن في طبيعة الحاجات والطموحات المتعلقة بكل طبقة. فالفئات الفقيرة والمهمشة حدود مطالبهم وحاجاتهم تكمن أساسا في تلبية حاجاتهم الضرورية (besoins fondamentaux) وبالتالي فالقدرة المالية تحدد هذا الطموح. في الغالب لا تكترث هذه الطبقة للمطالب الاجتماعية والثقافية والسياسية الأخرى، بل يكون أفرادها المكونين لها، في معظمهم، غير فاعلين مدنيين أو سياسيين في المجتمع لأن هاجسهم الأساسي "البقاء على قيد الحياة" بشعار "الرضى" بالأوضاع. بل، أحيانا كثيرة ينتجون أوضاعا اجتماعية واقتصادية أكثر تأزما في حالة غياب برامج حكومية داعمة ومشجعة للنهوض بأوضاعهم والرقي بها ليكونوا أفرادا فاعلين ومحركين للتنمية بمختلف أبعادها، كبرنامج الدعم الاجتماعي المعتمد في المغرب (مبادرة التنمية البشرية وتيسير ورميد، الخ). أما بالنسبة للفئات الغنية، فوضعيتهم الاقتصادية تمكنهم من تلبية مختلف حاجاتهم الاجتماعية والثقافية. بل، أحيانا عديدة، طموحاتهم وحاجاتهم المتعددة والغير المتناهية جعلتهم يدخلون عالم السياسية حتى أن تعبيرهم أو تعبيراتهم السياسية أصبحت مع الوقت تبحث عن أساليب التحكم فيها لأنها وسيلة فعالة للحفاض على موقعهم الطبقي وأيضا لزيادة مكاسبهم والحفاظ على امتيازاتهم.

بالنسبة للطبقة الوسطى، فالأمر هو أكثر تعقيدا. إن عدم الانسجام بين فئاتها وأفرادها المتمثل أساسا في تناقض وتباين طموحاتها ومطالبها وحاجاتها، يجعل أن المحدد المالي/ الاكتساب (الدخل والممتلكات) ليس هو المحدد الأساسي. هذا يفسر اختلاف النتائج حول نسب السكان المنتمون للطبقة الوسطى في جميع دول العالم. على سبيل المثال، قدّرت هذه النسبة في المغرب ب53% و 25% حسب المندوبية السامية للتخطيط (2009) وPew Research Center) 2015)، على التوالي. يعود الفرق الكبير بين النتيجتين إلى عملية تحديد عتبة الدخل المعتمد في التصنيف. لن ندخل في نقاش المقاربة التقنية لتحديد الانتماء، ما يهم هنا أن المحدد الاقتصادي لا يمكن أن يكون المحدد الأساسي الوحيد في تصنيف الفئات المنتمية للطبقة الوسطى، بحيث تعتبر المحددات الأخرى كالمحددات الاجتماعية والثقافية والمجالية عوامل أساسية في تحديد هذا الانتماء. لذا وجب إيجاد صيغ أخرى لحثها على التعبير والمشاركة في المجتمع لأن طموحاتها تظل داخل البلد وليس خارجه، كما أن غايتها تفوق تلبية الحاجات الضرورية الأساسية كتلك المعبر عنها من طرف الطبقة الفقيرة والمهمشة. باختصار أهدافها تفوق طموحات وحاجات الطبقة الفقيرة والمهمشة وتقل عن طموحات وحاجات الطبقة المسيطرة، لكن وضعيتها هي غير مستقرة وقابلة للتغيير نحو الأعلى أو الأسفل حسب أهداف السياسات المتبعة في البلد ...