رأي

حسن بلحبيب: أنواع الأساتيذ

دخل علال العلالي إلى القاعة 17 بعد العطلة، توسط منصة الدروس، عدل نظارته، شابك بين أصابعه، ثم قال :

أحبتي التلاميذ الأعزاء، الحمد لله الذي جمعنا بعد فراق، نزلتم أهلا، وحللتم سهلا، وأبشركم خيرا أيها التلاميذ النجباء الكرام، بأن أساتذتكم الفضلاء دون استثناء، متأهبون لحسن الشرح والتفصيل. إلا قلة قليلة منهم.

ممن ليس له حظ من العلم راسخ، إذ لم يتجشم لأجل الحصول عليه الفراسخ، وإنما رضي منه بالحظ القليل، والفتات الهزيل، فذلك لا تلوموه، فقد كان الكسل وما يزال مسيطرا عليه، والنوم لا يفارق عينيه، وهو مع علمه الوضيع، له خلق رفيع.

أو ممن رزق نصيبا من العلم، ولكنه لم يرزق طريقة توصيله، فذلك أيضا فاعذروه، فقد نسي أن ثلاثة أرباع العلم كيفية تبليغه.

أو ممن لم يرزق لا علما نافعا، ولا خلقا شافعا، فهو يستر ضعفه وراء الألفاظ القاسية، والعبارات النابية، فهو أيضا لا تلوموه، ففي الوقت الذي كان فيه الآباء يبذلون الغالي والنفيس، لتربية أولادهم على الأخلاق الكريمة، كانت للمسكين أم جاهلة، وأب فحاش، لا يرقب إلا في إنسان، ولا ذمة في حيوان، لا يراقب الله في قول و لا فعل، ولا يراعي ضميرا في حركة ولا سكنة، إذا نطق فهو إبليس في صورة بشر، وإذا فعل فهو وحش لا يبقي ولا يذر، فلا تلوموا هذا الأستاذ المسكين، ولكن لوموا أباه وأمه.

أو ممن عقيدته مقابلة الغش بالغش، فهو يؤمن إيمانا لا يزعزعه شيء، أن الدولة تغشه وتظلمه، فعلام يرهق نفسه، ويبذل قصارى جهده، تحت شمس إدارة تبذل قصارى جهدها في إذلاله وتخضيعه وإهانته، فهو يآخذ الأدنى بما يفعله الأعلى، وينسى أو يتناسى أن هؤلاء التلاميذ لا علاقة لهم بما يجول في خاطره، ولا بما يمليه عليه تفكيره الأعوج، فهذا أيضا لا تلوموه، فهو مظلوم يرتق ظلمه بظلم أشد، ومثل هذا لابد أن يريه الله عجائب قدرته في أبنائه، ويشربه فيهم، كأس الحنظل ذاتها التي أشربها تلاميذه وآباؤهم وأمهاتهم.

أو ممن كان يحلم أن يصير طيارا، فأصبح أستاذا، فهو دائم التوهان، وكثيرا ما ينفلت خيط الدرس من بين يديه، فيقف مشدوها مرددا : يعني، يعني..، حتى يلقمه بعض تلاميذه النجباء بكلمة تنزله من السماء إلى الأرض، ولكن السقطة تكون مدوية، وتركيز التلاميذ يكون قد تكسر، فهذا أيضا لا تلوموه، فهو أصلا شقي في سعيه، خائب في كده، معتقد أن القدر قد ظلمه، فيكفيه شقاء اعتقاده ذلك.

أو ممن أحرز لقب أستاذ زورا وبهتانا، محسوبية وزبونية، فمثل هذا لا تلوموه أيضا، إذ لا بد منه لترسيخ إيمان المؤمنين، وتشديد النكاية بالكافرين، وبه يتأكد صدق رسالة حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم في قوله (إذا أسندت الأمور إلى غير أهلها فانتظر الساعة).

ولكن أكثرية الأساتذة، وأغلبيتهم العظمى، ولله الحمد والمنة، هي ممن أوتي العلم والخلق والجد والصبر وحسن التواصل جميعا، فهو يعتبر التلاميذ أبناءه، يعد الدروس إعدادا، ولا يدخل القسم إلا متوضئا ذاكرا داعيا الله التوفيق والتيسير له بحسن الشرح والتفصيل، ولتلاميذه بحسن الفهم التحصيل، يترك كل مشاكله خارج القسم، مشكلته الأساس هي كيفية إيصال الدرس إلى كل التلاميذ، فهذا لا شك يحبه تلاميذه، ويوفقه ربه، ويفرحه في أولاده.

*باحث في الأدب المغربي