قضايا

حاجتنا إلى التربية الجنسية

إبراهيم أقنسوس

يعتبر موضوع التربية الجنسية من المحاور التي يحتدم حولها النقاش في بلادنا، لأسباب كثيرة يتداخل فيها الذاتي بالموضوعي، والفكري بالمنهجي؛ ما يعني أن أول ما يجب التفكير فيه ابتداء هو تحرير هذا الموضوع من مختلف التجاذبات والمتعلقات التي لا تفيد.

المؤكد بدهيا وموضوعيا أننا جميعا، صغارا وكبارا، في أمس الحاجة إلى تربية جنسية، بمعنى التربية الجنسية. ويكفي أن نطلق مصطلح تربية، لنفهم أن الأمر يتعلق بعملية (بيداغوجية) توعوية تكوينية، تروم تقديم جملة من المعارف والإفادات والمهارات، المرتبطة بمجال أعضائنا الحميمية، وكيف يحسن بنا التعرف عليها، والتعامل معها وفق معايير علمية ومنهجية وأخلاقية، مضبوطة وهادفة، يتولى عرضها وتقديمها أهل الاختصاص في هذا المجال.

بهذا المعنى يمكننا التحقق بالأهداف الأساسية للتربية الجنسية، والتي يمكن تركيزها فيما يلي:

أولا: التعرف العلمي على أجسادنا، وعلى دور أعضائنا الحميمية في بناء شخصياتنا، وفي ضمان تماسكها والانسجام بين مكوناتها؛ فالملاحظ أن علاقة الكثيرين منا بهذه الأعضاء تتجاذبها مواقف غير سوية في عمومها، منا من يبدي إهمالها، بحجة عدم الاهتمام، أو بدافع الخجل الزائد أحيانا، ومنا من يفرط ويكثر في الحديث عنها وحولها، بدافع البحث عن تأكيد فحولة مزعومة، أو أنوثة طافحة، ومنا من لا رأي له البتة في الموضوع، ما يعني أننا في حاجة إلى التصالح مع أجسادنا وتقبلها، كما هي.

إن الكثيرين منا لا يعرفون بالضبط ما يفعلون بأعضائهم الحميمية، من يرى أنها لا تصلح لشيء، عدا قضاء الحاجات البيولوجية، ومن يرى أنها كل شيء، ومن لا يمتلك رأيا أساسا، وكلها مواقف غير سليمة، وتنطوي على جهل كبير، واختلالات تربوية ونفسية بالغة، يكون لها بالطبع آثارها وعواقبها الوخيمة على الحياة الخاصة للأفراد والأزواج، بفعل إتيان جملة من المواقف والسلوكات المنحرفة التي يتضرر منها الطرفان (الرجل والمرأة)، كلاهما أو أحدهما، والتي لا يكاد يمر يوم دون أن نقرأ أو نسمع عنها، أو نراها، مثال ذلك هذه الألوان الغريبة من المضايقات الهستيرية، التي تتعرض لها الكثير من النساء والفتيات في الشارع العام، وهذا العنف اللغوي والمادي، الذي يسلطه الكثير من الرجال على الكثير من النساء، والذي تستعمل فيه كلمات وإيحاءات جنسية، بقصد الإهانة والإذلال والتنقيص.

ثانيا: التعرف على أفضل الطرق، والوسائل السليمة للتعامل مع أعضائنا الحميمية، كالحرص على آداب النظافة الخاصة بها، وهذه ثقافة يفتقدها الكثيرون، ذكورا وإناثا، وتجنب العلاقات الحميمية العارضة بين الجنسين، وعدم التحرج من زيارة الطبيب في حالة التعرض للمرض أو الأذى، لا سيما بالنسبة إلى الأطفال والفتيات، (الاغتصاب، زنا المحارم، الممارسات العدوانية غير اللائقة)، ثم عدم التردد في التبليغ عن حالات العدوان ذات الطابع الجنسي، فما أكثر الحالات ذات الطابع العدواني في هذا الباب، والتي يختار المتضررون فيها الصمت والكتمان، خوفا أو خجلا، ويظلون طول حياتهم يحتفظون بذكريات مؤلمة تلازمهم وتفسد عليهم أيامهم، وتؤثر سلبا على توازنهم النفسي والشخصي، (الأطفال والفتيات وبعض الزوجات، وأيضا بعض الأزواج).

إنّ حاجتَنا ماسةٌ إلى تربية جنسية قاصدة، تمكننا من امتلاك أجوبة شافية وعلمية، عن إشكالاتنا المرتبطة بأعضائنا الحميمية، وما أكثرها.