رأي

الحسين بوخرطة: برلماني السراويل القصيرة

أمام ما تعرفه البلاد منذ سنة 2011 من ظواهر جد سلبية تبعد المواطنين عن العقلانية، لا يمكن للفاعل الجاد أن يلتزم الحياد أو الصمت في تعاطيه مع التطورات المهددة لاستقرار البلاد، والرامية إلى النيل من المنطق العقلاني للسياسات العمومية الذي أرست مقوماته الأولية حكومة السيد عبد الرحمان اليوسفي. كما حان الوقت ليلامس المواطن المغربي دور المثقف والمفكر في حياته اليومية لتجنيبه السقوط بين مخالب رواد الرجعية ورواد التضليل بدوافع الحفاظ على المصالح الشخصية.

لقد تعمدت بدء هذا المقال بهذه الفقرة التقديمية، لأعبر عن مدى اعتباري لخطورة التغريدة الأخيرة لبرلماني حزب العدالة والتنمية. بكل صدق، لقد أصابتي عباراته بالدهشة والخوف على مستقبل البلاد كوطن ومواطنين. لقد اختار، في توقيت غير مفهوم، اعتماد منطق هجومي للنيل من مبادرة لا يمكن تصنيفها إلا في خانة المبادرات الإنسانية نبيلة الأهداف والمرامي، هجوم على متطوعات أجنبيات في مجال التنمية الترابية بهدف تخويفهن وترويعهن. وأمام ما صاحب هذه التغريدة، والتي أخشى أن تكون محسوبة حزبيا، من تنديد وتأييد، فرض علي طرح السؤال التالي: لماذا قام مواطن مغربي ، بصفته السياسية السامية (برلماني) التي تبوؤه تمثيلية الوطن والمواطنين، من إصدار هذا الموقف وفي هذا التوقيت بالذات؟

لقد تمعنت في كلمات تغريدته، ولم أجد لها أي مبرر أو سند موضوعي يذكر، مما جعلني في موقع البحث عن فرضيات في شأن دوافعه. ولكي لا أثقل على القارئ، أقتصر في هذا المقال على الإشارة إلى الملاحظات التالية:

التغريدة ومدلولها عبرت عن تعسف عن الزمان والمكان السياسيين ببلادنا. لقد تتبعنا كيف عبرت قيادات حزب المصباح، مرارا وتكرارا، كون تنظيمهم ومرجع عملهم سياسي لا ديني، وأن أغلب المغاربة مسلمون لا يحتاجون إلى وسائط سياسية في الدين تنافس السلطة الدينية لإمارة المؤمنين في الحفاظ على الأمن الروحي للمغاربة المسلمين. إضافة إلى ذلك، ومنذ عشرات السنين، عبر المغاربة على مستوى رفيع في التعايش مع الأجانب الغربيين في مختلف المدن السياحية. ففي مدينة شفشاون كنموذج، تأكد لي، من خلال التركيز في الملاحظة وحواراتي مع الساكنة من مختلف المشارب (مثقفون، تجار، حرفيون، فلاحون،....)، أن الساكنة تعطي أهمية قصوى للحفاظ على راحة السياح الأجانب، واحترام خصوصياتهم الثقافية. فالأجنبيات يلبسن كعادتهن، بل أكثر من ذلك، يجدن متعة في تقليد لباس ساكنة المنطقة من خلال اقتنائها بأثمنة مناسبة من تجار منتوجات الصناعة التقليدية المغربية. إن سكان هذه المدينة التاريخية (ثقافة مغربية أصيلة) واعون بالخاصية الاقتصادية لمدينتهم، واعون كون مصدر رزقهم وعيشهم مرتبط بالرواج السياحي. نفس اللوحة الفنية الثقافية لتلاقح الثقافات، نجدها بجل المدن المغربية. نجد السياح من الجنسين يلبسون كعادتهم في مدن مراكش، وأكادير، وطنجة، والجديدة، وأزمور، والصويرة،.... كما أن رئيس الجمعية التنموية بالدوار المعني (إقليم تارودانت)، الذي استضاف المتطوعات الأجنبيات بكرم وعزة، أكد أن مشروع التعاون التنموي ليس وليد اليوم، بل بدأ منذ سنين مرت، وأنجزت من خلاله مشاريع تشاركية هامة حسنت من مستوى عيش الساكنة،

لقد أصبح المغرب بلد استقبال واستقرار للأفارقة بدون أن يفرض شروطا شكلية (كالهندام) للإفريقيات. إنهم يتجولن كذلك بلباسهن المعتاد، ويتمتعن بشواطئ بلادنا. وصدرت القوانين في هذا الشأن بشكل رسمي وبدون ملاحظات تذكر،

إعطاء الانطلاقة لمشاريع العمل التنموي الترابي في إطار الشراكات مع منظمات المجتمع المدني الأجنبية ومؤسسات الدعم المالي الخارجي، لا تتم إلا بعد دراسة تشخيصية، بحيث يشترط في اختيار الوحدات الترابية ضرورة ملامسة عدة مؤشرات مشجعة للعمل التشاركي بها. وهذا القطاع تشتغل فيه رسميا عدة جمعيات أكاديمية مكونة من خيرة أساتذتنا ومفكرينا (معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، المعهد الوطني للتهيئة والتعمير، عدد من الجامعات المغربية،....). فالمشاريع التضامنية بالدواوير والقرى المغربية لا يتم إقرارها إلا بعد التأكد من وجود مؤشرات رقمية تدل على مستوى مقبول عن تضامن الساكنة (تحدد هذه المؤشرات بتشخيص أنماط تدبير الساكنة للعيش المشترك من خلال التركيز على عدة أحداث كالزواج، والوفاة، والزراعة، عصر الزيتون، الحق في الماء، حصيلة العمل التشاركي، ....). وعليه، فالدواوير التي يتم اختيارها لاحتضان هذه المشاريع تكون، في تاريخ تعاملها مع مجال العيش المشترك، قد بذلت مجهودا كبيرا في العمل التشاركي، أهلها لتكون محط اهتمام للمؤسسات الداعمة (الدعم المالي والتقني والتشاركي في إنجاز المشاريع التنموية الترابية). وهنا، لا يمكن لأحد، كيف ما كان شأنه، أن يحاول حرمان هذه الساكنة من مستحقاتها الذاتية ومعرفتها المحلية المكتسبة، خصوصا أن موارد جماعاتنا الترابية، وموارد الدولة المغربية، لا تكفي لتسريع التهيئة الترابية بمختلف مناطق المملكة بالشكل المطلوب (لا زالت عدة مناطق جبلية تعاني من البرد الشديد، وأخرى من انعدام التجهيزات الاجتماعية والصحية). كان على البرلماني (هنا أذكركم بما كتبه المفكر عبد الله العروي في موضوع البرلماني الأمي)، صاحب التغريدة، التفكير والاجتهاد في بلورة مشروع متكامل في مجال التضامن التنموي (محلي-دولي) يهم التراب الشامل للمملكة المغربية، ويعرضه على البرلمان من أجل إغناءه والمصادقة عليه (تقنين وعقلنة وتعميم والرفع من مردودية هذا القطاع الحيوي).

الاجتهاد الديني في إطار مؤسسة إمارة المؤمنين محبذ، بل وضروري، اعتبارا لوضع البلاد وما حققته من مكتسبات وتراكمات. فمثلا، في اعتقادي الخاص، لا يمكن أن نتكبد الصعاب المالية من أجل اقتناء كبش عيد الأضحى، أو شرائه بثمن مرتفع، وأطفالنا محتاجون إلى اللباس والأكل بشكل صحي طوال السنة، محتاجون إلى مستلزمات الدراسة والتعلم والتنشئة الصحيحة من كتب وقصص وأدوات ووسائل ودروس للدعم اللغوي والعلمي، والتجهيزات الخاصة بغرفهم،... إلخ. فالعقل يجب أن يفرض علينا بخصوصيتنا المغربية، على الأقل، شراء كبش صغير بثمن منخفض وبجودة استهلاكية مرتفعة (Agneau)، وتخصيص الفرق لاقتناء مستلزمات التمدرس اللائق لأبنائنا ... أما من أغناه الله، فعليه أن يلتزم بنفس السلوك احتراما للطبقات الاجتماعية الفقيرة وأن يتصدق بالخرفان الصغيرة على المحتاجين.

إن احتكاك شباب وأطفال دواويرنا ومددنا الصغيرة والمتوسطة، في سياق العمل التنموي الترابي، مع المغاربة والأجانب المتنورين (المتعلمين) هو امتياز لا يمكن وصفه، وفرصة لا تعوض من أجل التقدم في تطوير الذات وتكوينها بمنطق تأهيل قدرات الاعتماد على النفس،

التجهيزات المهيكلة تربي وتهذب، وترفع من المسؤولية المدنية للمواطنين. وهنا أتذكر فترة افتتاح الفضاء التجاري ماكرو (لابيل في) بسيدي سليمان. لقد تكبد الحراس عناء كبيرا لعدة أيام لتدبير الولوج والجولان وسط هذا الفضاء إلى درجة تمت الاستعانة بالكلاب المدربة. أما اليوم، بعد التعود على ضوابط هذه التجهيزات، أصبح الزبناء في منتهى التحضر واللياقة والاحترام في التزامهم بالسلوك المطلوب إنسانيا داخل هذه المراكز التجارية،

واعتبارا لما سبق، لا أجد أي مبرر موضوعي لمضمون تغريدة البرلماني من حزب العدالة والتنمية. وإذا أضفنا عدم إصدار أي موقف حزبي صريح في هذا الموضوع مع الالتزام بعدم تكراره، لا يمكن للمتتبع إلا أن يصاب بالدهشة والحيرة. والحالة هاته، لا يمكن أن لا تنتابنا فرضية تصنيف هذا الحزب، في حالة استمرار صمته، في خانة المتربص بهدف استغلال عفوية المواطنين من خلال استصدار التصريحات والإسهام أكثر في إقرار السياسات العمومية التي تناوئ مصلحة الوطن ورهاناته المستقبلية (ترسيخ التواكل بالصدقات العمومية بدلا من التوكل بالمشاركة في المشاريع التنموية أو المذرة للدخل). فالإقدام على مثل هذه المبادرات لإضعاف أو منع احتكاك المغاربة فيما بينهم (الاحتكاك والتفاعل الإيجابي القوي للطبقات الاجتماعية)، ومع فعاليات الثقافات المتقدمة، لا يمكن اعتباره إلا خارج التفكير الصادق الذي يصب في مصلحة الوطن والمواطنين. فالوضع المغربي الحالي، بتفاعلاته وتراكماته في العهد الجديد، لا يحتمل وجود حزب سياسي لا هم له سوى إضعاف القدرة الشرائية للطبقة الوسطى، والتي يعتبرها الاقتصاديون مصدر الرواج التجاري الذي تستفيد منه الطبقات السفلى. ولا يحتمل أي تكتيك لحرمان المغاربة من الحق في معرفة الآخر، والاحتكاك به، والاستفادة منه، والحق في استعمال العقل الفردي والجماعي،... مغرب اليوم، وهو في مفترق الطرق، لا ولن يطيق حزبا سياسيا لا يكل في التعامل مع المغاربة بمنطق الأنا الحزبية بأهداف مبطنة، وتتطاير من مكوناته البشرية في فضاء الوطن سلوكيات خاصة تسعى لتأزيم الأوضاع بهدف خلق التوترات الاجتماعية الواهية.