تحليل

الشعب يريد والملك يريد .. ماذا ننتظر إذن؟!

مصطفى غلمان

إشارات بليغة تلك التي حملتها رياح التغيير المرتقب ما بعد خطاب العرش الذي يصادف هذه السنة احتفالات مرور عشريتين على حكم الملك محمد السادس.
وما يؤكد هذه المقاربة هامش التحليل الواقعي والبراغماتي الذي انخرطت فيه المؤسسة الملكية قبيل خطبة عيد العرش وبعده . نعني بذلك الحوار الإعلامي الذي أجري مع اثنين من أهم الخطوط الأمامية للتفكير الاستراتيجي للمؤسسة الملكية ، يتعلق الأمر بالمستشارين الملكيين عبداللطيف المنوني وعمر عزيمان، اللذان رفعا من إيقاع تمرير إشارات ملكية بخصوص توسيع منسوب وسقف الحريات، خصوصا فيما يتعلق بطفرة حرية الانتقادات وإبداء الرأي حتى في ما يخص شؤون تدبير الملك لأمور البلاد والعباد.
وما تصريح المنوني بسير البلاد نحو ( طريق الملكية البرلمانية) سوى خيط من تينك الرؤية الجديدة التي يحملها الملك للمستقبل وللاستراتيجية المنتظرة.
لا شك أن منسوب حرية التعبير بالنسبة لمؤسسة ظلت إلى حين من الدهر علامة فارقة في علاقة الشعب بالملك. وهي جرأة تعني من ضمن ما تعنيه إحدى أهم مؤشرات انفتاح المؤسسة الملكية على الانتقاد الشعبي لبعض قضايا المجتمع وتسارع التقاط الرسائل المعبرة عن وعي شعبي استثنائي بالواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
أكيد أن الملك على علم بكل تفاصيل النقاش الدائر في الأوساط الشعبية، ويتابع عن كثب اهتماماته بمستقبل البلاد وباشكاليات الراهن الصعب التي يعيشه الوطن، بما في ذلك تداعيات الأحداث الدولية والإقليمية وصراعات الاقتصاديات ضمن نسق مشوب بالكثير من الالتباسات والغموض المفضي إلى تغلغل فكر القطيعة وتوحش السوق المالية وتناقضات البدائل والاستراتيجيات.
ما يعوزنا حقيقة وبعد جملة من الانتظارات وضع قائمة إصلاحية متفق عليها تروم إعادة تموقع الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ضمن الأهداف المسطرة في خريطة التنمية المبتغاة.
الأحزاب السياسية التي فشلت في بلورة مشروع شامل يعزز طبيعة علاقاتها بالمجتمع وبتنظيماته الجيوسياسية والثقافية . على اعتبار انفصالها كليا عن الأدوار المنوطة بها، والتي تشكل مشهدية دراماتيكية أقل ما يمكن وصفها به تغييب مسار تقوية وتنظيم البناء الديمقراطي والمساهمة في توقيد مشروع مجتمعي عن طريق المساهمة في نشر الثقافة السياسية وتأطير المواطنين وتقوية كفاءتهم والعمل على تكريس مبادئ السلم المدني بينهم عن طريق التحسيس بأهمية التفاعل مع مكونات الإصلاحات وتعبئة الشباب لأجل التنافس والمبادرة والإيجابية.
إن المحركات الكبرى لهذه الحوافز التقاط رسائل الخطاب الملكي الأخير الذي يطالب بالإسراع في تعبئة المواطنين واشراكهم في القرارات الحاسمة.
والذي يعمق توتير هذه الرؤية إشارة الملك في الخطاب إلى استمرار البحث عن مخارج أكثر ملاءمة وأقوى رهانا، خصوصا ما يتعلق بعوائق تنزيل مخطط تنموي نموذجي، حيث جدد الملك تأكيده على عدم قدرة النموذج التنموي الحالي " على "تلبية الحاجيات المتزايدة لفئة من المواطنين، وعلى الحد من الفوارق الاجتماعية، ومن التفاوتات المجالية"، معلنا في هذا السياق عن قرار إحداث لجنة خاصة بهذا النموذج "تشمل تركيبتها مختلف التخصصات المعرفية، والروافد الفكرية، من كفاءات وطنية في القطاعين العام والخاص، تتوفر فيها معايير الخبرة والتجرد، والقدرة على فهم نبض المجتمع وانتظاراته، واستحضار المصلحة الوطنية العليا".
وهو ما يشغل الجالس على العرش ويؤرق تفكيره، فيما يعزز قناعة الملك بجدوى الانتظارية والانتقال إلى السرعة القصوى في اختيار البديل وتصحيح الاختلالات. يقول الملك في ذات الشأن " إن تجديد النموذج التنموي الوطني، ليس غاية في حد ذاته، وإنما هو مدخل لمرحلة جديدة قوامها المسؤولية والإقلاع الشامل، وحافلة بالتحديات التي يتعين كسبها، أبرزها رهان توطيد الثقة والمكتسبات، رهان عدم الانغلاق على الذات، خاصة في بعض الميادين، التي تحتاج للانفتاح على الخبرات والتجارب العالمية".
لكن بالمقابل أين تكمن جاهزية التغيير ضمن توقعات تشكيل الفعل الحاسم ومتغيراته السياسية بالارتباط بالإرادة الملكية وإمكانيات تحصينها من شوائب التلبيس وسوء التدبير الحكومي؟
هل نتوقع في القريب انطلاق أوراش إصلاح النموذج التنموي قبل انقضاء آجال التدبير الحكومي الفاشل .أم سننتظر بعد انتخابات 2021 ، إلى حين نضج ماكينة التسخينات التي بدت هذا الصيف أكثر حرارة من ذي قبل؟!
الأكيد أن الرهانات الكبرى لا تزال غامضة، فالكثير من الشباب الذي لا يشارك في الحياة السياسية أصلا، يجد نفسه في حالة يأس قاتلة بعد أن أنهكته أساليب الأحزاب السياسية في البحث عن ملاذات تظل هاربة ومتوارية عن واقع هش ومتداعي، يشل كل حركة في التفكير بأمل يخرجه من ظلمات الفقر والبطالة إلى نور اليقين والتعلق بقارب النجاة.