على باب الله

بنت الملاح

المصطفى كنيت

يستلهم الكثير من المبدعين أعمالهم من أحداث وقعت بالفعل، فألهمتهم كتابة قصة أو رواية أو مسرحية أو سيناريو فيلم أو رسم  لوحة تشكيلية، غير أن ما تعرضت له "بنت الملاح"، قد لا يصلح ليكون مادة لأي عمل إبداعي، فيكفي أن المجرم " أبدع" في تعذيب الضحية، بطرق مبتدعة، قادتها، في الأخير إلى الموت، ويكفي أن هناك من استلذ بتصوير هذا الفعل، و تسريبه عبر "الواتساب"، و أن هناك من استمتع بمشاهدته وإرساله لأصدقائه، ويكفي أن هناك من حاول النزول إلى الشارع لإدانة الجريمة لكنه، مع كامل الأسف، لم يلق أي تجاوب، بفعل التسرع من أجل تحقيق السبق في الاحتجاج لا أقل ولا أكثر.

و لا تكشف هذه الواقعة عن انفلات أمني، مادامت الوقائع جرت داخل غرفة، قبل أن تتسرب كشريط فيديو إلى الشارع،  و لا عن انهيار مجتمعي، ما دام المجتمع ندد ويندد بهذا الفعل الوحشي، بلسانه وقلبه... ولكنها تكشف عن حالة مرضية لشخص غير سوي خرج توا من السجن ليجد عشيقته قد ارتمت بين أحضان رجل آخر، فقرر الانتقام على ذلك النحو المقرف.

و لولا " الصورة" بمفهومها الشاسع، التي فضحت ما وقع، ما كان لضمير المجتمع أن يتحرك، مطالبا بشنق "المتهم" في ساحة الإعدام، ولما خرجت بعض الوجوه المألوفة رافعة يافطة كُتب عليها اسم "حنان" بالفرنسية... رغم أن "حنانات" كثيرة تتعرضن يوميا لمثل ما تعرضت له "حنان بنت الملاح"، مع فرق أن تلك الجرائم لا تُصور و تلك "الحنانات" لا تلقى حتفها بل يواصلن محنة العذاب كل يوم.

لقد سرق "المتهم" من حنان الحق في الحياة، و قد يجد في الموت راحته، التي تنهي مأساته التي تبدأ عندما يفطن حقيقة ما اقترفت يداه، تحت تأثير الخمر أو الحشيش أو الحب أو الانتقام...

وكما قال الشاعر:

 الحب يقتل قبل السيف أحيانا
وينزع الروح ويقدمها قربانا