رأي

عبد الدين حمروش: ماتع أم ممتع؟

يستعمل بعض الكُتّاب من الشباب وصف "الماتع"، بشكل لافت، في السنوات الأخيرة. والوصف أُريد له أن يصير مدخلا "معجميا" (أو بالأحرى سيميائيا) إلى فئة من الكُتّاب، المخصوصين بمزاج ثقافي معين، وبحساسية كتابية محددة. والواقع أنني لم أتلقّ وصف "الماتع"، عن أي أحد من أساتذتنا السابقين، سواء في التعليم الثانوي أم في التعليم الجامعي. ما كان متداولا، في مقابل "الماتع"، وصف "الممتع" من الفعل "أمتع"، و"المُمتِّع" من الفعل "متّع"(لا نستعمل الفعل المجرد "مَتَعَ" إلا مزيدا، إما بالهمزة أو بالتضعيف). فما محل "الماتع" مما يريده بعض كُتّابنا وصفا لنص شعري ممتع، أو حفل فني ممتع؟
بالإحالة إلى "لسان العرب"، ننقل بعض ما جاء عن "الماتع" في ما يأتي:
متع: مَتَعَ النبيذ يمتَعُ مُتوعا: اشتدّت حمرته. ونبيذ ماتع، أي شديد الحمرة. ومتَعَ الحبلُ: اشتدّ. وحبل ماتع: جيد الفتل. ويقال للجبل الطويل: ماتع؛ ومنه حديث كعب والدجال: يُسخَّر معه جبل ماتع خلاطه ثريد، أي طويل شاهق. ومتَع الرجلُ ومتُعَ: جاد وظرف، وقيل: كل ما جاد فقد متُعَ، وهو ماتع. والماتع من كل شيء: البالغ في الجودة، الغاية في بابه.
يبدو أن استنتاج "المتعة"، مما تمّ سرده، لا صلة له بوصف "الماتع": المتعة بمعنى اللذة، أو ما يجري في سياق الدلالة على المتاع والتمتع والاستمتاع والتمتيع. وفي اللسان، أيضا، نقرأ: قال الأزهري: فأما المتاع في الأصل فكل شيء يُنتَفع به ويثتبَلَّغ به ويُتزوَّد والفناء يأتي عليه في الدنيا..وإذ تتضح الدلالة على المتاع والمتعة (وما جاورهما)، بالإحالة إلى وصفي "المُمتع" و"المُمتِّع"، لا يكون للـ"الماتع"، بخلاف ما سبق، إلا الدلالة على: قوة الحمرة، الشدة، الطول، الجودة العالية.
وبالتركيز على المعنى الأخير، يصحّ وصف لقاء أدبي ما بالماتع، حين نقدِّر أنه كان جيدا.. بشرط استبعاد ما يحيل إلى المُتعة.
إن خروج البعض إلى الماتع، بارتباط مع سياقات تداوله، فيه تأشير على نوع من الانزياح. الماتع مجرد مدخل معجمي، ضمن مداخل أخرى، يمكن الولوج عبرها إلى لغة، يراد لها أن تكون خاصة، في تواصل البعض مع البعض الآخر.. إعلان عن ذات في مقابل ذوات أخرى.
والله أعلم.