تحليل

جامعة كرة القدم والهروب من المحاسبة

عبد القادر الزاوي

ذهبت الوعود المعسولة التي أطلقها السيد رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم وبعض من حاشيته عن لعب المباراة النهائية على الأقل في كأس إفريقيا للأمم 2019 أدراج الرياح، واستفاق الجميع من غيبوبة قسرية بعد الإقصاء المبكر للمنتخب الوطني من المنافسة القارية على يد منتخب حديث العهد والتجربة بهذا المستوى من التنافس.
وكما كان منتظرا فقد خلف هذا الإقصاء مرارة كبيرة لدى الرأي العام الرياضي بالمغرب، الذي كان قد استلذ الأوهام التي سوقتها له الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم عبر تصريحات مسؤوليها، وعبر الكثير من أبواقها المبثوثة في عدد من المنابر الإعلامية المسموعة والمقروءة، التي ذهب بعضها ضحية حماسه الزائد بالتعرض لعقوبات تأديبية.
ومن سوء حظ الجامعة الملكية أن المرارة والإحباط سيرتفعان أكثر في أوساط الرأي العام الوطني كلما تخطى الإخوة في الجزائر وتونس حواجز جديدة في طريق الوصول إلى المربع الذهبي، ما أجج نقمة كبرى وأشعل نقاشا مجتمعيا حادا بدأت حتى بعض الأحزاب السياسية تخوض فيه تدريجيا للمزايدة الرخيصة ليس إلا.
ولا شك فإن هذا الأمر فاقم حالة الارتباك والقلق التي اجتاحت أروقة هذه المؤسسة الكروية، خصوصا وأن سكان مناطق حدودية من شدة خيبتهم  خرجوا ينشدون الفرحة من وراء الأسلاك الشائكة التي تفصلهم عن إخوانهم في الجزائر.
ورغم أن هول الصدمة قاد البعض إلى الاستشفاء من اضطرابات صحية ( شافى الله الجميع )، فإن المكتب الجامعي الحالي التزم الصمت، ولكنه رفض تحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية للإخفاق والمبادرة بتقديم استقالته، وإنما تشبث بموقعه؛ بل انطلق بعد فترة استيعابه لما حصل يفتش عن كباش فداء وجد بعضها في عدد من موظفي الجامعة الذين قام بتسريحهم دون إبداء أسباب مقنعة غير آبه بسيل الانتقادات التي رافقت العملية التي بدا واضحا أنها كانت انتقائية وانتقامية.
وأمام تبلور رأي عام ساخط، وخشية أن تثير الحملة الشعبية المطالبة بربط فعلي للمسؤولية بالمحاسبة اهتمام دوائر حريصة على المصلحة العامة للبلاد، تفتقت عبقرية التبرير لدى المكتب الجامعي عن محاولة تمييع النقاش، وتحويله في اتجاه الحديث عن حصيلة عمله، متوهما وهو المتعود على صنع الأوهام وتسويقها على أن هذه الحصيلة ستكون إيجابية وستمتص بعضا من النقمة الناجمة عن الإخفاق في كأس الأمم الإفريقية.
ومع ذلك فبالإمكان مجاراة أعضاء المكتب الجامعي فيما يدعون، ومناقشتهم فيما يعتبرونه حصيلة إيجابية لعملهم رغم حجب الكثير من المعطيات المادية والتقنية في الكثير من الأوراش، والتعتيم على الكلفة المالية النهائية لها. و مما لا شك فيه، فإن النقاش الموضوع سيبين أن الحصيلة على العموم سلبية ؛ وأن ما تتضمنه من إيجابيات يعود غلى توجيهات ومجهودات جهات سيادية عليا في البلاد.
* المشاركة في كأس العالم : يقدم المكتب الجامعي المشاركة في كأس العالم بروسيا 2018 كإنجاز تاريخي، ويقرنه بالتأكيد على أنه جاء بعد طول غياب، ويصر على احتساب مدة الغياب بالسنوات علما بأن كأس العالم تحسب بالدورات التي تقام كل أربع سنوات. ويختبئ المكتب خلف الروح القتالية التي أبداها المنتخب الوطني أمام نظيره الإسباني العائدة ليطمس حقيقة أن تلك المشاركة كانت بئيسة، وأنها ثاني أسوء مشاركة مغربية في الكأس العالمية، لأنها انتهت بالبلاد في الرتبة 27 من أصل 32 دولة مشاركة بنقطة يتيمة بعد هزيمتين وتعادل، سبق أن حققنا مثلهم في أول مشاركة سنة 1970 حين كانت القارة السمراء تمثل بمنتخب واحد فقط.
*تطوير البنية التحتية : يصر المكتب الجامعي على أن ينسب إلى نفسه تطوير عدد من البنيات التحتية الكروية، متجاهلا أن ما انجز في هذا الإطار كانت بتعليمات من أعلى سلطة في البلاد. ومع ذلك فإن بالمغرب سبع ملاعب فقط ( الدار البيضاء، الرباط، مراكش، طنجة، أغادير، فاس ووجدة) تتوفر إلى حد كبير على المعايير الدولية المطلوبة للممارسة الكروية.
وإذا كان للجامعة من فضل في هذا المجال، فهو يعود إلى مشاركتها لجهات ومؤسسات في الدولة لتأهيل بعض الملاعب وإصلاح مرافقها تنفيذا للتعليمات الواردة في الرسالة الملكية للمناظرة الوطنية للرياضة سنة 20008. ورغم ذلك فإن هذه البنية التحتية كثيرة الأعطاب بدليل الترحال الذي فرض في الموسم الماضي على العديد من الفرق الوطنية كالوداد والرجاء والمولودية والكوكب نتيجة سوء الإصلاحات التي لا تنتهي إلا لكي تبدأ من جديد.
*التكوين : إن الاستنجاد بشبابنا من أبناء الجالية في المهجر المكون في العديد من المدارس الكروية الأوروبية وفي كل المستويات ( المنتخب الأول والمنتخب الأولمبي، ومنتخبات الفئات الصغرى) يدحض أي ادعاء للمكتب الجامعي في هذا المجال، الذي عاش على وقع فضيحة تكليف بيت خبرة أجنبي لتقييم عمل الإدارة التقنية الوطنية واكتشافه أن المسؤول الأول عن تلك الإدارة لم يكن يتوفر على المؤهلات الكافية لتولي ذلك المنصب.
إن الاتجاه نحو تعويم الإخفاق في مصر باستدعاء مناظرة عامة لدراسة أزمة كرة القدم المغربية يشي بأن بعض الدوائر في المغرب ترى بأن المبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة يعني "ربط المسؤول بالكرسي كي لا يفلت منه، وربط المحاسب العمومي كي لا يقوم بدوره".
وإزاء وضعية كهذه لا عزاء لمن ينشد التغيير والتطوير سوى أن يردد مع مجموعة ناس الغيوان :
يا هلي الحال، يا هلي الحال
إمتى يصفى الحال.