قضايا

لماذا لم تستقيلوا حتى الآن؟

مصطفى قطبي

توجعنا في أحيان كثيرة ملامسة الواقع الرياضي بالمغرب ونحن نقلب تفاصيله، ونضغط على أنفسنا كي نتوارى وراء أعذار نخلقها لنبرر ذلك الخروج أو هذا الفشل أو التراجع! فقد شكل خروج المنتخب المغربي من العرس الإفريقي صدمة كبيرة لعشاق الكرة المغربية والعربية وأنصار المنتخب المغربي على وجه الخصوص... وكالعادة وقفنا نندب حظنا العاثر، لكن شاءت الأقدار أن نبقى في دوامة الخيبات، نلطم باليمنى ونكفكف مجاري الدمع باليسرى على تفاؤل عاشه الشعب المغربي مع المدرب الفرنسي ' هيرفي رونار '.

ويبدو أن خروجنا لم يحرك ساكناً لمن بيدهم القرار الرياضي ولم يهز كراسيهم أو يجعلهم مقطبي الجبين (اللهم بعض التصريحات هنا وهناك... ضيعت الصيف باللبن)... ربما لأنهم تآلفوا مع هذا الشكل من المراوحة في المكان وهذه الخيبات التي تبنى على أوهام العمل الذي جعل رياضتنا بشكل عام وكرتنا بشكل خاص مسرحاً للتجارب التي أفقدتها روح المنافسة والتطلع إلى الأمام كثيراً...‏

وبكل أمانة، فالمدرب "رونار"  من أسباب الإخفاق رغم نوعية اللاعبين الأفضل في المنتخب المغربي قياساً إلى ما قدمه المنتخب. وللأسف فالمدرب الفرنسي 'رونار' لم يفلح في قراءة الكرة الإفريقية جيداً رغم أنه خبير بأحوال القارة السمراء، فقد أخفق على ما يبدو في إيجاد التوليفة المناسبة وبخاصة في الخط الأمامي الذي لم يفلح بالتسجيل سوى أربعة أهداف (أحدها بالنيران الصديقة) من كم هائل من الفرص (أكثر من 60 فرصة سانحة في المباريات الأربع)، ولا ننسى الإصرار على عدم إشراك اللاعب الأفضل 'سفيان بوفال' إلا بديلاً وكذلك إخفاق 'زياش' بإثبات نجوميته وتراجع عدد آخر من اللاعبين وكذلك الحظ السيئ في بعض الأحيان، فالهدف الوحيد الذي كان سبباً بخروج المنتخب جاء من ركلة ركنية وليس من فرصة حقيقية للتسجيل.


والأمور حسب اعتقادنا تحتاج لأكثر من استقالة. فالشعور الوطني بالمسؤولية يحتّم على أي مسؤول كروي في منصبه بالجامعة الملكية المغربية لكرة القدم أن يقدم استقالته كأفضل شيء يقدمه للكرة المغربية بعد أن فشل منتخبنا فشلاً ذريعاً في الفوز على بنين.

 

ونقول هذا الكلام ألماً وحرقة على ما وصلت إليه كرتنا، ولا نقوله تشفياً أو تعدياً أو ظلماً، فالتاريخ موجود، والنتائج ماثلة أمامنا، والقرارات العشوائية الارتجالية ما زالت سائدة وتعمل معها جامعة كرة القدم المغربية. نعتقد أن (فاقد الشيء لا يعطيه) وهذا حال إدارة هذه الجامعة التي فشلت في إعطاء كرتنا أي شيء إيجابي على الصعيد الإداري والتنظيمي أو على الصعيد التقني (النشاطات المحلية والخارجية). والوقائع شاهد عيان على ما نقول، فلا تحتاج إلى أدلة أو شهود أو إثبات.

 

وحسبنا أن نقول: إذا كان هناك غيور على كرة الوطن المغربية ومستقبلها، يجب أن يطالب هؤلاء المهيمنون على الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بالاستقالة فوراً. وكما قلنا فالموضوع لا يحتاج إلى جلسات استماع، أو إلى أي تسويغ، فمجرد الإقصاء المذل أمام البنين أمر معيب لا يليق بالكرة، المغربية. فكيف إذا كانت هذه الخسارة سبباً في الخروج من التصفيات الأفريقية بأبشع صورة وأسوأ أداء!

 

فمنتخب 'بنين' يعتبر من المنتخبات الناشئة إفريقياً، إذ لم يسبق له تجاوز الدور الأول في ثلاث مشاركات سابقة كلها خلال الألفية الثالثة ويمكن تصنيفه ضمن الفرق الضعيفة وتأهله إلى النسخة الحالية جاء بفضل زيادة عدد المنتخبات، أما المنتخب المغربي فهو بطل سابق وخاض النهائي مرة ثانية. ورغم تراجعه إلا أنه أحد أكثر المنتخبات الإفريقية حضوراً بالمونديال ولا ننسى عودته إلى النسخة الأخيرة التي وضعته ضمن الصفوة الإفريقية مجدداً.

 

فالضربة كانت قاصمة من فريق ضعيف، وبخاصة أن المقدمات أوحت بتأهل سهل للمغاربة بل إن الأغلبية الساحقة من الخبراء والمحبين حسده على قرعة الدور الثاني ولاسيما أن الفريق تأهل من الصدارة المثالية، حيث ظهر المغاربة بشكل أكثر تنظيماً وأداءً أعلى رغم عدم تسجيلهم الكثير من الأهداف فجاءت انتصاراتهم الثلاثة بالحد الأدنى مع كمّ لا بأس به من الفرص المهدرة في كل مباراة.

 

لا نريد الدخول في تفاصيل وكواليس ما تسرب عن أجواء المنتخب المغربي، ولكن كيف سنستطيع تشجيع نجومنا بعد الآن ونحن نراهم يتألقون مع أنديتهم، ويصنعون الفارق، وعند استدعائهم لحمل القميص الوطني، نجدهم متثاقلين يلعبون الكرة دون شغف...!

 

إن المسئولية الأخلاقية عن هذا الفشل تقتضي من حيث المبدأ تقديم رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم استقالته ومعه باقي الاستقالات بشكل جماعي بصورة طوعية وفورية، لأنهم جميعا صناع الفشل، وقد سحب منهم الفشل كل صلاحية وشرعية للاستمرار، ولو كنت مكانكم، لما ترددت لجزء من الثانية الواحدة في الاستقالة، أتدرون لماذا؟

ليس بسبب الفشل، وإنما لتداعياته على جماهيرنا الرياضية، فالاستقالة احترام الذات للذات، واحترام الذات لذوات كل من يعشق منتخب بلاده، وكل من يتطلع بأن تكون بلاده دائماً في المقدمة لا في المؤخرة في أي مجال من المجالات بما فيها كرة القدم.

من هنا نرى أن زمن المشاركة من أجل المشاركة قد ولى، وأنتم قد أرجعتمونا لهذا الزمن، فلا بد إذن من مغادرتكم، فرادى وجماعات مهما كنتم تعتزون بعبقريتكم، ونحن هنا نحسن الظن فيكم، ونترك للاتهامات المالية المبطنة والصريحة التي توجهها وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل الإعلام المختلفة...للجهات الرسمية المختصة، لكننا هنا لن نقبل حسن الظن من أجل استمراركم حتى لا تبددوا ملايين أخرى من أجل فشل جديد.

فلماذا لم تستقيلوا حتى الآن؟ لربما يحسب لصالحكم تاريخياً هذه المبادرة التي سوف يقتدي بها كل من سيأتي بعدكم، هذا من جهة، كما أن الملايين التي تنفقها الدولة على المنتخب الوطني لكرة القدم، تحتم هذه الاستقالات الجماعية الفورية، فما ننفقه سنويا عليه من أموال الشعب يجب أن يعطينا نتائج مشرفة وإلا فإن ترك الساحة للآخرين ضرورة وطنية تحتمها سياقات النجاح والفشل اللذين يشكلان معيار البقاء أو الرحيل، فمتى سترحلون الجماهير تريد ذلك؟

ختاماً: لا نجد اليوم فائدة في ذكر مجمل الأحداث التي مرت على المنتخب المغربي، لأننا مللناها وهذا أولاً، والأهم أننا نشعر بالخيبة جراء هذا الإهمال واللامبالاة بالتعامل مع هذا المنتخب على حساب النفوذ أو المصالح الشخصية الضيقة. ما حصل لمنتخبنا قدر مرَّ وانقضى، والمهم في المستقبل، أن ندرس بعقلانية هذا الإقصاء، وأن نجري تقييماً منطقياً بعيداً من العواطف والمصالح، لنصل إلى الأسباب الحقيقية التي أدت لمثل هذه النتائج المخيبة للآمال وهذا الأداء العقيم الذي لا يليق بكرة القدم المغربية وسمعتها.


لذلك نوجه كلامنا إلى كل من أفسد فرحة كل المغاربة أن يقتنع أن كرة القدم لا يمكن أن تتطور إلا بقواعدها الأصيلة، لأن رياضة كرة القدم أصبحت بحاجة للكم من اللاعبين لاختيار النوعية القابلة للاستمرار، مع ضرورة متابعة العملية التدريبية معهم بالشكل الأمثل ورعاية اللاعبين الموهوبين منهم وفق خطة مركزية تهدف لتوسيع قاعدة الألعاب من خلال تنشيط البطولات محليا وخارجياً لأن ذلك يساعد على استقرار المنتخبات الوطنية لجميع الفئات ومن خلالها سيعود لرياضة كرة القدم بالتأكيد ألقها وإشعاعها.