رأي

بوجمعة العوفي: "الخِيارُ" الدّيمُقرَاطِي العَربي

لن نتحدث هنا عن " الخيار الديمقراطي " العربي، باعتباره اختيارا أو توجها سياسيا أو صيغة من صيغ الحُكْم، يشارك فيها، مثلما كان الحال بالنسبة للديمقراطية الأثينية ونشْأتها في اليونان القديمة، جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة، إما مباشرة أو من خلال ممثلين ومنتخبين لهُم في المجالس المحلية والمؤسسات التشريعية والبرلمان، وفي اقتراح وتطوير واستحداث القوانين، بحيث تشمل هذه الديمقراطية وتَسُود داخل كل الممارسات والمجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تُمَكّن كافة المواطنين من الممارسة الحرة والمتساوية للشأن السياسي، بل سنتحدث بشكل استعاري ومجازي عن هذا " الخِيار  "، في تَقَابُله الرمزي مع " الخِيار "، كنبتة بستانية شهيرة من الفصيلة القرعية. تتميز ثمارها بالشكل الأسطواني وتستخدم كخضروات في الأكل والطبخ، وفي ذلك الكثير من إمكانات توليد الدلالات والمعنى، وِفْقَ ما يتوفر عليه العرب، طبْعا، من استعمل رمزي أيضا لـ " الخِيار " في سخريتهم ومِخْيالهم الشعبي المليء بالإيحاءات الجنسية و " الغَمْز " و " اللّمْز " كما يقال.


وإذا ما قمنا، من جهة أخرى، بنوع من الربط المجازي كذلك ما بين شكل ووظيفة " الخِيار " كنبتة في التداول الشعبي العربي، وبين التاريخ العربي الذي ابتدع لنفسه أيضا صورة جديدة في " التراجيديات المعاصرة "، وافتتح عصرا جديدا من التحايل على هذا " الخيار " ودوره وأهميته، سواء في السياسة أو في المطبخ ( والسياسة في حد ذاتها مطبخ ووجبات تقدم للمستهلِك / لا فرق )، أو كنبتة خضعتْ بحكم شكلها للعديد من التوليدات والاستعمالات الدلالية الساخرة، مع فارق بسيط هذه المرة: هو استبدال " الخيار " كممارسة ديمقراطية في السياسة، بـ " الخيار " النبتة، والمواطنة وحب البلد والإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحقيقية بالتحايل والمماطلة والمصالح الشخصية والوصفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المغشوشة والمُفبركة.


وإن كانت العديد من الدول العربية تعيش هذا الصيف كعادتها، ومنذ سنوات على " صفيح ساخن " بامتياز، صيفٌ تطبعه الكثير من أشكال الحروب الداخلية والاقتتال بين الفصائل والجماعات، وكذلك الكثير من الاعتقالات والاختطافات والاحتجاجات العارمة من أجل قضايا الكرامة والشغل والعدالة الاجتماعية، والقليل من محاولات الانتقال إلى " الخِيار الديمقراطي " كذلك، فإن أقصى ما يمكن لمواطن عربي مثلي فعله، على الأقل، هو استحضار تلك اللوحة الشهيرة : "  الصرخة Le cri " للفنان النرويجي " إدوارد مونش " التي رسمها سنة 1893، والتي أراد أن يعبر من خلالها عن " كرب وضيق ذلك الإنسان قبل أكثر من مئة عام " في  مواجهة وضع كارثي يتسم بـ " لا عدالة " المرحلة على عتبة قرن جديد ينذر بالرعب والبؤس وكل أشكل التهميش الاقتصادي والاجتماعي.


وحتى إن كان الكثير من الناس ما زالوا مقتنعين بأن صرخة الفنان " إدوارد مونش " في لوحته هاته ما تزال تسمع حتى هذه اللحظة في أرجاء المعمورة، وأنها تعلو، وستظل تعلو في وجه كل من يغتصب الزمان والمكان والحق البشري "، فإن الوضع العربي الراهن، وبالقليل من الاستثناءات، سيظل مجسَّدا في هذه الصرخة، وأن ما يقع، هنا والآن، في الوطن العربي، يعيد التأكيد على أن الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي واغتصاب الحقوق والحريات ما زال قائما حتى داخل هاته الأشكال " البديلة " أو المطروحة حاليا من أشكال المرور إلى ما يسميه الكثيرون بدافع التمويه بـ " الخِيار الديمقراطي العربي " !..