رأي

عبد الإله الجوهري: شكرا الكان، شكرا جماهيرنا

شكرا الكان، وشكرا لجماهيرنا المغاربية الواعية بعمق الحب والمحبة التي تجمع بلداننا، البلدان التي فرقتها حدود وهمية من وضع مستعمر فرنسي سيء السمعة، مستعمر جاء قبل قرنين تقريبا لكي يستولي على مقداراتنا، ويحولنا بدل شعب واحد إلى "شعوب" متنافرة وأحيانا متناحرة من أجل شعارات ذاتوية قائمة على التنافس الفج والتعصب المبني على الجهل أو المصلحة الخاوية، والإيديولوجيات التي أكل عليها الدهر وشرب..
شكرا الكان، وشكرا لمنتخباتنا التي جعلتنا نلتف حول الحب والدعم اللامشروط لبعضنا البعض، ونرفع لافتات مضاءة بنور الحق، ونردد شعارات عميقة من حيث المبنى والمعنى، شعارات تتغذى من روح الروح، والقلب المملوء بدماء واحدة والسائرة على ايقاع الدقات والخفقات الراعشة كل ما مس بلد من بلداننا حدث سيء أو فاجعة..
شكرا الكان، وشكرا لمن إنتصر لعين العقل والحق، من الكتاب والصحفيين والفنانين والمثقفين والجماهير عامة، فكتب سطورا في الصفحات الإجتماعية أو المواقع الصحفية، سطورا من الحب والعشق العميقين، وقام برش الكثير أو القليل من عطور الإحترام والتقدير، تجاه كل منتخب مغاربي دخل حلبة الصراع والمنافسة من أجل الفوز ورفع راية بلد من بلداننا الثلاث، راية من راياتنا التي لم نعد نهتم بلونها أو شكلها، بقدرما نهتم بهويتها المغاربية الأصيلة، فإنتصار المغرب هو إنتصار لتونس، وإنتصار تونس هو انتصار للجزائر، وانتصار الجزائر الثائر لهزائمنا هو انتصار لنا جميعا، نعم جميعا مادام لاعبوه يلعبون بنفس مغاربي حر، نفس فيه من رياح الجبال الآبية، التي احتضنت ثورة مجيدة، وسطرت سطورا خالدة في كيفية صنع التاريخ الباقي في ذاكرتنا..
مقابلات ومواجهات بهزائم وإنتصارات في منافسات كروية فوق أرض مصر المجد والأمجاد، تولد على إثرها هنيهات من الهم والغم، والكثير الكثير من لحظات الفخر والفرح والإعتزاز ، لكن الأهم من كل هذا وذاك، سيادة الروح الواحدة في التصفيق والتشجيع والزغاريد المدوية والشعارات الحماسية، كلما فاز فريق من فرقنا الثلاث، المغرب والجزائر وتونس، زهو وفخر لا أعرف كيف يمكن استثماره لكي يوحدنا، ويرفع عنا غمة رجال السياسة في بلداننا المنكوبة بخططهم العوجاء ومصالحهم العرجاء، الخطط والمصالح التي لا تلتفت لواقعنا المنهوك، ولا تهتم أصلا بمستقبل أبنائنا المرهون والمنذور للخراب...
نعم، لا أعرف كيف يمكن تحويل الهزائم والإنتصارات الكروية، والوقفات والتعابير والاهازيج الشعبية الجماهيرية، إلى نتائج ملموسة تسطر طريقا واحدا جديدا، طريق الخلاص والفلاح، والعقل الناضج والقلب النابض، لكي نتخلى عن أنانية بعضنا تجاه البعض، وأن نتوقف عن ضرب مصالح  بعضنا البعض، ونتوقف في نفس الآن عن تشجيع سياسات الفرقة والإمعان في مساعدة أعدائنا على تقسيم وتفتيت بلداننا، وزرع كيانات وهمية بخلفيات سياسوية وعرقية بائدة، وغرس سياجات حديدية تعكس روح خط موريس التاريخي البغيض، وقبل كل ذلك ضرورة الوعي بخطورة الأكاذيب السمجاء المبثوثة بيننا، أكاذيب من صنع الآخر، الآخر الذي يكره أن يتحقق تكاملنا ووحدتنا، ويمقت بزوغ قوتنا، ويعمل بكل السبل والوسائل على تفتيتنا وتلغيم مستقبلنا ومستقبل أولادنا...
شكرا الكان الذي بث في نفوسنا الكثير من الأمل، وذكرنا حقيقة أننا شعب مغاربي واحد، وشكرا لجماهيرنا المغاربية على نضجها ووعيها بأهمية اللحظة، ونسيان وتجاوز ما بثته وتبثه فينا الجرائد الصفراء والمواقع البلهاء وقنوات الصرف الصحي التي تتغذى من المستنقعات الراكدة المنفرة، قنوات تستورد مياهها الضحلة من بعض خزائن البنوك الأمريكية والأوروبية والصناديق التمويلية الصهيونية.
شكرا للجميع، لجماهيرنا و منتخباتنا و كل من يحب ويراهن على وحدتنا ومستقبلنا القادم بفضل سواعدنا، وقبل ذلك الإنتصار لوعينا المؤمن إيمانا راسخا بأننا أمة واحدة يجب أن تتوحد فيها القلوب وتنتفي فيها الحدود ..