قضايا

إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية كذبة سوريالية جديدة !؟

مصطفى غلمان

الحديث عن الإدارة المغربية حديث ذو شجون . لا يذكر شيء عن منظومة الوظيفة العمومية إلا وشحنت سيوف النقد والتشويه عن إفلاسها ومستوى أدائها المتخلف واتساع الهوة بينها وبين المرتفقين. لدرجة أصبحت فيه مآلات التنمية البشرية متوقفة على مدى قابلية الحكامة الإدارية للتوجهات الإصلاحية القائمة على تصحيح الاختلالات الوظيفية للإدارة وإعمال آليات لتقييم نظام الكفاءة والمردودية وحسن التعبئة وتقدير أداء الموظفين وتحفيزهم واعتماد أساليب التدبير الحديثة، بما فيها سرعة الإنجاز عبر الشباك الوحيد بالآليات الرقمية السريعة والناجعة .. إلخ
لكن المصيبة العظمى تكمن في تجذر آفة قاتلة، استنفذ فيها المغرب كل مخزونه النظري والتأطيري. يتعلق الأمر بالفساد الذي حاق بكل السبل والإمكانيات التي ظلت إلى حين تعزز المشاريع الحكومية المرصودة لمراجعة منظومة الوظيفة العمومية برمتها. لا سيما وأن هذه الآفة تأكل مخزونا استراتيجيا هاما من الاقتصاد الوطني، وما يترتب عن ذلك من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
كما أن كل البرامج المناهضة لمشاريع مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية، باءت بالضعف والتردد وعدم النجاعة.
والمطلع على تقارير المجلس الأعلى للحسابات أو مؤسسة الوسيط أو الهيئة الوطنية لمحاربة الفساد ( على المستوى الرسمي )، بالإضافة لتقارير حقوقية مستقلة، يمكن التمثيل هنا بتقارير منظمة ترانسبرنسي ، أو منظمة العفو الدولية ( فروع المغرب) سيكتشف جملة من المؤشرات القوية الدالة على مستويات استفحال الظاهرة وتشعبها في بنى وهياكل الاقتصاد والاجتماع .
ولأن مسارات موضوع الفساد الإداري يأخذ اتجاهات تحليلية وتشخيصية عديدة ومتشعبة، فإن القدرة على احتوائها في هذا المقام الخاطف لا يعدو أن يكون رميا ناذرا لحجر ثقيل في برك من الصراخ والتهويل الآسن . على أن الدعوة المفتوحة من قبل صناع القرار السياسي والاقتصادي لإعادة صياغة أهداف إصلاحية جديدة، يكون مبعثها دراسة الحالة السيكولوجية والنفسانية للمجتمع ضرورة ملحة وعاجلة.
إن تحقيق دراسة للسلوكات المنحرفة داخل الإدارة العمومية من زاوية سوسيولوجية، لإماطة اللثام عن جرائم اغتصاب الإدارة وإفسادها، بتشريح العوامل الرئيسة التي تفكك مستويات ومكامن التفاعلات الناتجة عن العلاقات الاجتماعية داخل الإدارات العمومية، وتسليط الضوء عن تمايزاتها التنظيمية وعلاقات حضورها في النسيج الاجتماعي والثقافي .
سيكون له الوقع الإيجابي لتفكيك الغموض الذي يشوب الظاهرة ويحد من معرفة التقييمات المرجعية للخلاص منها، وذلك عبر وضع تصور أو رؤية استراتيجية وطنية شاملة، بمناهج وآليات علمية تقف على مختلف الأنشطة المنحرفة والإشكالات الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بها، وتأثيرها على المحيط الاجتماعي ككل.
أما التغابي والنمطية وسوء تقييم الوضعية فيؤول لا محالة إلى تشتيت الرؤية وتدجين الوضعية المأزومة وتحويل الأنظار إلى الهامش . وهو ما نشاهده كل يوم ونقرأ عناوينه في مختلف أنشطة الحكومة الحالية. وما الأخبار الرائجة الآن حول سلة إجراءات حكومية خاصة باتخاذ إجراءات عميقة من أجل إعادة الاعتبار لمنظومة القيم على كافة مستويات الإدارة وإرساء آليات جديدة لتحسين جودة الخدمات العمومية بهدف تمكين المرفق العمومي من بلوغ أهدافه ومراميه، سوى مسكنات مرحلية لذر الرماد في العيون ووسيلة لامتصاص الغضب من نفاذ الصبر وتقويض ما تبقى من آمال وانتظارات.
أما آخر المضحكات المبكيات فيما جاء في باب إصلاح منظومة الإدارة العمومية فهي الدراسة الأسطورية التي أجرتها وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية حول تقييمات أداء الموظفين بمختلف الإدارات العمومية التابعة للقطاعات الحكومية، حيث أسفرت عن نتائج سوريالية تقول من ضمن ما توصلت إليه ، أن معدل التنقيط المعتمد لتقييم أداء الموظفين في مختلف القطاعات بلغ 18.50 خلال الفترة ما بين أعوام 2012 و 2016 . ما يعني أن ادراة مغربنا العزيز يقف على عتبة أفضل وأنجع إدارات العالم بأسره!
فهم تسطى!