مصطفى غلمان: من مذكرات مكتب السرداب

على هامش المشاركة في المؤتمر الوطني الثامن للنقابة الوطنية للصحافة المغربية بمراكش

مدخل : " الخلاص لا يكمن خارج ذواتنا، بل في قدرتنا على التجدد. نقد الذات، إرادة العمل، طموح البشرية لبلوغ الكمال"

- تزيفيتان تودوروف -

نحن نتحدث دوما وأبدا عن المتلازمة النمطية لروح القتال في منظمة نقابية من المفروض أن تكون فيها العدالة الاجتماعية والكفاءة الثقافية وحد أدنى من مستوى فهم الإعلام الجديد، حاضرة بشرف في بدهية تحرير العقليات التقليدية واختزالية المجال الإعلامي في مظاهر الكراهية والحقد.

تلكم أول ملاحظة يمكن أن نسوق بعض مشاهدها العبثية، ونحن نضع خيوط التماس بين النظام الجماعي للأفكار والمشاريع، وعكس ما تطمح إلى اقتداره كفاءات إعلامية بمدينة المرابطين، وهي تستعد للمشاركة بإيجابية وتدافع حضاري خلال المؤتمر الثامن للنقابة الوطنية للصحافة المغربية الذي نظم ما بين 21 و22 يونيو 2019 بمراكش.

وإذا كان الأمر معقودا على هذه الإوالية النقدية التي أعمد إلى طرحها على هامش النقاش المغلق بين فاعلين وغير فاعلين في الميدان. فإن القضية تتطلب شجاعة وجرأة لوضع اليد على جراحات الماضي وسياق تحويل الأنظار عن فواعله وانحيازاته تحت وقع الغبار وفوضى النقع.

يتفق الجميع في مراكش على انهيار لحمة الصحفيين ومهنيي الإعلام، وخروج معظمهم عن جادة قيم التعايش والتشارك والانسجام. وهي وضعية مكارتية شبيهة بما سماه دوستويفسكي بمذكرات رجل السرداب. وهي في محصلتها تستعير لغة رفض التأكيد بالاعتراف (الإقصاء) ورفض الاعتراف (الإنكار)، وهي لغة تتمنطق بنزعات مازوشية مفعمة بالشتائم والغيبة والنفاق الاجتماعي الضحل.

السلوك الغائب عن فرضية التواصل، والمجافي لنظرية التأثير الإعلامي الأخلاقي، في الذات الجمعية قبل الجماهير، هو نفسه السلوك المثبط للعزائم المنذور للهامش والضياع.

ولأنني أؤمن بعبارة هي لاروشفوكو تقول (نحب أن نتكلم بالسوء على أنفسنا بدل ألا نتكلم مطلقا) فإني أستبيح الغياب عن مؤتمر النقابة تحت سلطة الاختلاف أولا وأخيرا في تدبير مآلية هذا الحضور ومناكفته لحدود وأدوار الاختلاف المطروحة أصلا بين المؤتمرين المتآمرين.

ولأن فكرة الحضور والمشاركة لم تكن تستهويني البتة تحت شعار منقوص، يختزل معرفتي المتواضعة بتاريخ وجود من لا يكرس للفعل الثقافي والإعلامي أي قدرة على البناء والتواصل والحوار الحضاري. فان التأكيد على استمرار عنف الرفض وغياب الوعي، هو تعبير عن غياب الاتفاق حول هدف ما، غالبا ما أسميه مضمون فكرة.

فقد كانت جماعة السلطة في مكتب نشاز غير مؤتلف وقابل للانفجار حائزة على سبق الاختلال والتقوقع وتدليس قضايا الصحافة ومرتفقيها، ظلت طيلة ولايتها الأخيرة مقبوضة بيد من الاستبداد والعماء الإيديولوجي، مرهونة بالتشكيك في كل شيء والتنصل من مسؤوليات قيم النضال والوعي بالراهن الإعلامي الوطني وضروراته الكبرى.

ولم يكن للوازع المهني، ولا التقيد بمبدئية الاندماج بين عناصر غير قابلة للاندماج، أن تخفي الشمس بالغربال، أو أن تحسم في صدقية العمل الجماعي من عدمه.

وفي وقت نسمع نجاح فروع للنقابة، في المداشر والاحواز والمدن الصغيرة، نبلع في مراكش غيظنا متمترسين بآمال خائبة وطلال مرفوعة على رماح الكذب والجهل والغش والاقتتال.

إنني لا ألتمس لنفسي العذر في الصمت الطويل الذي تمدد سنوات تحت طائلة اللامعنى والجحود وغياب رؤية موحدة جامعة.

بيد أني أخالف -وأقولها دون وجل أو تردد -كل الزمن الذي قضاه مكتب فرع النقابة السابق في المنع المجحف لكفاءات المدينة من المشاركة وتقديم مشاريع تستثمر جهود النهوض بالقطاع وتحويل القضايا ذات الأهمية لأوراش متفاعلة والوضعية الاعتبارية للصحفي.

إن ربط المسؤولية بالمساءلة الرمزية كما جرت وتجري به أدبيات الحوار والنقد تضع المكتب السابق في مواجهة سلة من الأسئلة والاستفهامات. من بينها:

* ماذا حققتم طيلة سنوات توليكم مسؤولية الفرع؟

* ما الإضافات التي أنجزتم، إن على مستوى تأهيل المهنيين أو المنتسبين لخوض غمار مبادئ الإعلام وعلاقاته الاجتماعية والسياسية والثقافية بالمجتمع والإنسان، أو الانخراط في قضايا التوعية المجتمعية والتحسيس بالأدوار الخطيرة التي يسهم الإعلام في تكريسها؟

* ما هي مشاريعكم التي نهضتم بها لأجل تحصين الوضع الاعتباري للإعلاميين والصحفيين، والتحيز لحل مشكلاتهم الاجتماعية والصحية المعلومة؟

* ما تقييماتكم النظرية لتجربة السمعي البصري ببلادنا؟

* هل لديكم تصور عن مآلات القانون الجديد للصحافة؟ وكيف تجسدون من خلال ذلك الميثاق الوطني لأخلاقيات مهنة الصحافة؟ ..إلخ

أنا على يقين أنكم تخلفتم عن التاريخ. وأنكم نكصتم الوعود وغصبتم قيم الزمالة المهنية وغاليتم في تعطيل كل الحدود المسموحة لانتظاراتنا كأصحاب حقوق وفاعلين أساسيين.

لم تكن التدابير البيروقراطية الأخيرة وأنتم تتجهزون لتمثيل المدينة في المؤتمر الوطني سوى القشة التي قصمت ظهر البعير. قمتم بتوزيع الصكوك وخالفتم البدهيات في قياس طبيعة التمثيلية، وافتعلتم نمطية التصنيف الائتماري دون وجه حق.

أسجل أخيرا أني لا ألتمس الانجرار إلى أي مصادمة أو مناطحة، إلا إذا كانت مبنية على التفاعل وضوابط الحوار.

وهذا الرأي يلزمني ولا يلزم غيري. ومن الخطأ أن نحول الأنظار عن خلفيات هذا المسلك الذي أضعكم للتاريخ والتوثيق أمامه بكل مسؤولية والتزام، لأجل استشرافه وفتح نقاش حوله، لعله يكون آخر فرصة لتدارك ما ضاع. فالفعل الحضاري يتطور بالتفكير المشترك والاعتراف المتبادل والمحبة والاحترام، وما عدا ذلك فينتهي إلى زوال.

إني أقوم فقط بإثارة المشكلات لأجل أن نقدم جميعا على إيجاد صيغ للحلول.

لم يكن سقراط غافلاً عن حقيقة موقفه السلبي تجاه تقدير مسألة توجيه الأسئلة دون معرفة الحلول. ولكنه أيقن أن رسالته الحقيقية هي في تطهير العقول أولاً لعلها بعد ذلك تتهيأ للوصول إلى الحق.