حمادي الغاري: نحن مَن ينحت الصَّنَم و… يعبده

لا شك أن الشعب المغربي شعب عظيم ، يستحق كل الخير، وكل التقدم ، وكل الرفاء والرفاه ، ليكون في أعلى عِلِّيِين .

كل واحد يتمنى تغيُّر الوضع، ويكون له نظام جميل، بمؤسسات أجمل على غرار الأنظمة الجميلة في أرض الله. لكن حين تبحث عن الأشخاص الجِدِّيّين ـ ولا أقول الجميلين أو المستقيمين ـ القادرين على العطاء بدون حدود ليكون لنا وطن جميل ومواطن أجمل، لا نجدهم..أكثر من ذلك، اكتشفت وأدركت أن هذا الوطن الذي يشبعه الناس لعناَ وسبّاً وشتما ونقدا من طلوع الشمس إلى غروبها، وآناء الليل وأطراف النهار،  هو هذا الشعب : نحن.. أبناؤه ومُواطِنُوه.

لنتصفح الواقع: الوزير،السفير،البرلماني، الوالي، العامل، الباشا، القايد، الشيخ، المقدم ، البوليسي، الدركي، العسكري، المعلم، الأستاذ ، الطبيب، القاضي، المحامي ، الصحفي ، الجمركي،   المستشارالجماعي... العاطل... كلهم أولاد الشعب. يبقى أن نتساءل: لماذا أولاد الشعب لا يقومون ـ كل من موقعه ـ  بخدمة  وطن الشعب ؟؟ الوطن ليس في مِلْك نظام أو حكومة أو شخص، بل في ملكنا نحن.. الشعب.

لنقرأ هذه الحقائق:

ـ من يبيع لنا لحم الحمير ولحم الكلاب،..بما فيه لحم الحلُّوف  والخنزير.. والله أعلم ماذا أكلنا من لحم الحيوانات الأخرى، وما خفي أعظم؟ إنهم  مواطنونا أبناء شعبنا وبلدنا: الجزار، بائع النقانق “الصُّوصيص”أو “الكرشة والكرعين”؛ وبائع الدجاج الذي لا يتردد في بيع الدجاج الميت، والجِيفَة..؟

ـ من يبيع لنا موادا منتهية الصلاحية ، فاسدة .. بائرة.. مسمومة، تنخرها الرطوبة..و”لَغْمُولَة”..؟ إنهم مواطنونا، أبناء شعبنا وبلدنا الذين يُديرون متاجر وصيدليات.. ومطاعم.. وسندويتشات ، ومقاهي..

 –  من يُشَغّل أطفالا أو شبابا ،يتم جلبهم من “لبلاد”، ينامون في الدكان ؛ فيه يأكلون وفيه يقضون حاجاتهم.. بدون تغطية صحية ، ولا تقاعد… ولا تصريح بالأجر.. ولا أدنى شروط الوقاية والنظافة..؟؟ تجد ذلك في محلات إصلاح السيارات، وبيع العجلات، والصباغة والعقاقير ..

–  نعرف أن الرصاصي “البلومبي” ، وصانع الأسنان ، وطبيب الأسنان….لن يضع يده  لإصلاح أي خلل في دورة المياه أو أنبوب ماء.. في المنزل، أو في فمك لاقتلاع ضرس ، أو كشف في الراديو..إلا بعد أن يفرض عليك أداء مبلغ 400 درهم ، في عمل لا يتجاوز ساعة واحدة ؛ وبعض هؤلاء يحصلون على هذا المبلغ في الساعة أو أقل من ساعة ، خارجا عن أية ضريبة….؟؟

– الميكانيكي ، كهربائي السيارات ، لن يقوم بعملية تشخيص أو فحص (diagnostic) سيارتك ، وهي عملية لا تستغرق كثيرا من الوقت ،أو نقل ساعة أو ساعتين ، إلا في مقابل  مبلغ يتجاوز 200 درهم ،أو ما يريد ،  بدون أن يؤدي سنتيما لدار الضريبة … وفوق هذا لن يقوم بعمله في وجودك ، بل يطلب أن تترك سيارتك ولا تعود إليه إلا بعد ساعات ، وربما بضعة أيام  …؟

بالطبع ،هؤلاء مواطنونا ، أبناء شعبنا وبلدنا  … ليسوا أجانب .. من بلاد العجم..أو جزر الوقواق..

+++++++++++++++

ـ المجرمون الذين يقومون بالسطو والسرقة، و يعترضون سبيل المواطنين، تحت تهديد السلاح، ويسلبون المواطن كل ما يتوفر عليه…

 ـ  “الفقيه” الذي يشتغل بالسحر والشعوذة للنساء والفتيات،  ويُوهِمُهُن بالزواج أو التحكم في الزوج ، أو يُزَيّن لهن الحصول على حياة أفضل .. يقدم إليهن كل أنواع السموم من مخ الضبع، وجلد الأفعى، ولسان الحمار.وزغب النمس… بثمن مرتفع وغالٍ..

–  السائق السِّكِّير أو المتهور يطحن مواطنا بريئا ، كان يريد قطع الشارع في ممر الراجلين أو حتى خارجه ،بدليل أن أكثر من 4000 شخص يموتون كل سنة في طرقاتنا وشوارعنا.. بدون أن يتضامن معهم أحد ؟

من يفعل هذا وذاك ؟ مواطنون ،  أبناء الشعب ، أبناء البلد …وليس من خارج البلد.

+++++++++++++++

ـ  من يطل من باب أو نافذة منزله وسيارته ، ويلتفت يمينا وشِمالاً حتى إذا تأكد  ألاَّ أحد يراه ، يُلْقِي بأزباله أمام منزل جاره أو في الشارع ..؟؟؟  أنا وأنت وذاك والآخر..

ـ من الذي لا يتردّد في البَوْلِ في أيّ مكان بدون حشمة ولا حياء..وفي واضحة النهار.. وإذا كلَّمْتَه يرد عليك  بكل وقاحة:”أنا مْزَيَّرْ”..؟؟ أنا وأنت والآخر.

ـ من يعطي الرشوة، ويساهم  ويشجع على  توسيعها وانتشارها في الإدارة وغيرها..؟ أنا وأنت والآخر.

 ـ من يجلس في المقهى، الساعات الطِّوال، يضع رِجْلاً على رِجْل.. و يلعن الملة والدين والبلاد والعباد يمينا وشِمالا.. والغادِين والرائحين والناس أجمعين؟؟ أنا وأنت والآخر.

ـ  مَن يدخن في كل مكان؛ يرمي بأعقاب السيجارة في أي مكان.. ؛ يبصق في أي مكان ؛ يقضي حاجته ..في أيّ مكان ..؟؟ أنا وأنت  من أبناء الشعب والبلاد ..

ـ من الذي لا يحترم عجوزا أو مُسِنّاً سواء في الطريق أو الحافلة أو الترامواي أو القطار وحتى في الطائرة .. ونعطيه أسبقية الجلوس..؟؟ أنا وأنت والآخر.

ـ مَن الذي لا يعجبه الحديث عن الظلم والفساد و”الحكرة” والتهميش والفساد إلا حين يكون هو موضوع”الحكرة”... أما حين نكون نحن الظالمين فلا أحد يجرؤ على قول نصف أو رُبع كلمة حق ..؟؟ أنا وأنت والآخر.

 ـ من لا يقبل النقد أبدا حتى وهو يعلم علم اليقين أنه تجاوز كل الخطوط والحدود، بينما نكون أكثر عطاء، وكرما واجتهادا في انتقاد الآخرين، ولو على باطل..؟؟ أنا وأنت والآخر.

 ـ من يظل يجلد وطنه من طلوع الشمس إلى غروبها.. بدون أن نُقدّم لهذا الوطن أي شيء سوى الهَدْرَة والكلام والثرثرة.. و.. و…من يندّد بالفساد ويمارسه، وبالشطط وهو ينام ويستيقظ عليه..؟؟  أنا وأنت والآخر.

ـ  من يطالب بالديمقراطية والشفافية والنزاهة.. وينظم  وقفات ومظاهرات ….ويعقد ندوات ..صاخبة وساخنة..ونحن لا ديمقراطيين ولا نزهاء ولا مسؤولين ..ولا حتى معقولين؟؟ أنا وأنت والآخر.

أنا وأنت والآخر..من يطالب بالمحاسبة ولا نستطيع محاسبة أنفسنا ولو سِرّاً؛ نعجز عن الإقرار بالمسؤولية.. نندّد بالفساد ونمارسه ، وبالشطط وننام ونستيقظ عليه..؟؟

ـ من يحلو له الحديث فقط عن الترقية والسلاليم والدرجات والتعويضات..وكافة الحقوق ..ويتناسى ما عليه من واجبات ؟؟؟ أنا وأنت والآخر.

الفساد ، الغش، الشطط ، “التقوليب” .. مُعَشَّش في كل مكان وركن، في البيوت كما في الإدارة، كما في الأحزاب والنقابات والجمعيات.. في المصنع، في المتجر، في الملعب ، في السوق …لا حديث سوى عن البيع والشراء والصفقات ..والواقع يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أو التشكيك أن نسبة كبيرة وكثيرة ( كفى من ترديد كلمة البعض) من المواطنين تميل للفساد ؛ تمارس الفساد ؛ تشجع على الفساد ؛ تعيش في الفساد.. تعشق الفساد ..

من يحثُّ ويدفع ابنه أو قريبه أو صديقه أو جاره الذي يريد الحصول على وثيقة من الوثائق الإدارية، أو يضيف طابقا إلى منزله، بطريقة عشوائية.. أو يحتل مِلْكاً عموميا ..على أن ” يَدهن السِّير مع المقدم أو القايد أو غيره .. للحصول، بكل يُسْرٍ وسهولة، على ما تريد، بدون صداع الرأس؟ أليس فِينَا من يتوَسَّط لدفع الرشوة وهو يحسب أنه قدّم خدمة لصديقه أو جاره أو قريبه..

كم من واحد منّا معصوم من.. الفساد والرشوة ؟

لماذا تكون لنا كل القدرة والجرأة والشجاعة على اتِّهَام هذا وذاك بالفساد والخيانة، ونحن نشجع عليها وندفع إليها، والمصيبة أننا لا نستطيع أن نرى وجوهنا في المرآة، ونتساءل:ألَسْنَا نحن أيضا فاسدين وخائنين ؟

حين نرضى ونخضع لقول الحقيقة ولو على أنفسنا.. وقتها  نعرف أننا نسير إلى الأمام .. أما إذا بقينا نُشِير بالبنان إلى الآخر ، ونرميه بأفظع التُّهَم ، ونتملص ونتهرب من تحمّل مسؤولياتنا كمواطنين حقّاً ..فَلْتَبْكِ علينا البواكي ..وعوض أن نتقدّم خطوة إلى الأمام ، ننتراجع خطوات كبيرة وكثيرة إلى … وراء الوراء .. “نقتل الوقت” في تخوين بعضنا، وتكفير بعضنا..ندخل نَفَقاً طويلا من السِّبَاب والشتم والتراشق والتطاحن .. لأتفه الأسباب.. وغيرنا يعمل ويعمل ؛ يكد ويجِدُّ .. وفي الأخير نقول :”عْلاَشْ حْنَا مَاشِي بْحَالْهُم”، بدون أن نعرف أو نعترف مرة واحدة  أن هؤلاء الناس في السويد ،أو الدنمارك ، أو ميريكان ، أو اليابان ، أو الصين … أو كوريا الجنوبية..أو الهند..يشتغلون كالنحل ؛ ليسوا مُبَذِرِين ولا مسرفين ؛ ليسوا … غشَّاشين ولا فاسدين مفسدين.. ولا منافقين مخادعين..ولا “بُوحاطيين”. وبما أنهم ليسُوا كذلك، فلن يستطيع الحاكمون فرض أيّ شيء عليهم.

حتى في حبّنا ..منافقون ، كاذبون، خائنون..انتهازيون..

+++++++++++

وبعد..هل وقفنا يوما وتَدَبّرْنَا مَلِيّاً هذه الآية الكريمة:”إن الله لا يُغَيِّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.”

+++++++++++

نحن من يصنع الحاكم.لا..لا..نحن مَن ننحت الصَّنَم و…نعبده . وكفى .