رأي

حسن مكيات: غير داوي... عن المعدلات و أشياء أخرى

في خضم الإعلان عن نتائج امتحانات البكالوريا دورة 2019، نشر الفنان المسرحي حسن مكيات تدوينة ضمن سلسلة "غير داوي" التي دأب على كتابتها ونشرها على حسابه في موقع التواصل الإجتماعي فيسبوك.

تدوينة حسن مكيات حملت تساؤلات ورأي شخصي في المعدلات المرتفعة التي حازها التلاميذ، وله في ذلك رأي نورده في تدوينته التالية:

"أيامنا (سنوات السبعينيات و الثمانينيّات) كان عباقرة الفصول الدراسية و المؤسسات التعليمية و الذين يضرب بهم المثل في النجابة و الذكاء  يحصلون في أحسن الاحوال (و هم قلة) على معدل يفوق 14 او 15 من عشرين كمعدل عام . شيء طبيعي لأنهم لا يستطيعون الحصول على العلامة الكاملة في المواد الأدبية مهما اجتهدوا و مهما بلغت نجابتهم و نباهتهم.

فإن كانت المواد العلمية كالرياضيات و الفيزياء أحكامها قطعية -واحد زائد واحد تساوي اثنين  لا تقبل نتيجة اخرى و مكونات الماء هي  هيدروجين و أكسجين و لا ثالث لهما )  فإن المواد الأدبية في غالبيتها أحكامها نسبية و  قابلة للاختلاف  باختلاف الأشخاص و الأساليب و الأفكار و التعبير  و تحضر فيها الذات سواء في الممتحَن (بفتح الحاء )  أو الممتحِن  (بكسر الحاء).

و هكذا تتعدد  النتيجة و يتعدد التقييم .

من هنا فإنه يستحيل على المرء مهما أوتي من عبقرية أن يحصل على العلامة الكاملة في مادة التعبير الكتابي  أو  التحرير الفلسفي .

بل يعد ذلك ضربا من العبث .

و لهذا  تتعدد المدارس و الاتجاهات و تجد بالموازاة مع المدارس الإبداعية  مدارس نقدية تتنازع الاحقية و الصدقية .

و هكذا  فانك مثلا ان منحت تلميذا في موضوع تحرير نص ادبي العلامة الكاملة ( عشرين على عشرين)

فماذا ستمنح نجيب محفوظ  الحاصل على جائزة نوبل أو گارسيا لوركا  أو برنارد شو إن حرر في نفس الموضوع ؟؟

هم أيضا يستحيل أبداً أن يحصلوا على العلامة الكاملة حتى و إن نقطوا  أنفسهم بأنفسهم !!

من هنا بات من الغريب و  المدعاة الى الدهشة أن نرى معدلات تقارب العشرين على عشرين في السنوات الاخيرة، فجيل  أواخر  القرن العشرين  الذي خرج محمد الفاسي و عبد اللطيف اللعبي و محمد عزيز الحبابي و عابد الجابري و المهدي المنجرة و الطاهر ينجلون و محمد سبيلا (أدباء و مفكرون ) ، أو الدكتور كريم التويجر ( أفضل طبيب في نيويورك درس في المغرب) أو رشيد اليزمي (فيزيائي عالمي مخترع بطارية الليثليوم المستعملة في الهواتف و الحواسيب و عضو سابق في ناسا ) أو كمال الودغيري (عالم فضاء  في ناسا و احد من الذين يشرفون على عمليات  المركبات الفضائية ) ...   إما هو جيل ضعيف التحصيل و النباهة لأنه لم يكن يحصل على مثل هذه المعدلات الخارقة و إما أن جيل   الْيَوْم هو جيل أكثر من عبقري مؤهل بامتياز لحصد جوائز نوبل في  كل المجالات .

يخطئ من يعتقد أن مثل هذه المعدلات و العلامات هي محفز للطالب على الاجتهاد و المثابرة ، لأن من بلغ قمة الجبل فلن يتبقى أمامه سوى المنحدر  و الفراغ .

سجلات هؤلاء من  ذكرناهم على سبيل المثال من عباقرة المغرب  في ثانوية مولاي يوسف في الرباط مثلا  أو  جامعة محمد الخامس  أو حتى السربون الفرنسية يمكن مراجعتها فحتما لن تجدوا معدلات أو نقطا شبيهة بما أصبحنا نراه الْيَوْم !!

إني هنا لست بصدد التبخيس من مجهود أحد و لكن فقط لأنبه لظاهرة قد تكون غير صحية و غير بريئة ، إذ كيف يمكن وجود مثل هذه المعدلات و الميزات  في ظل تعليم يعلم الجميع أنه  في قسم الانعاش  و مصنف في أسفل سلم التصنيف العالمي ؟! بالامس مثلا صدر  تصنيف أفضل الجامعات في العالم و لا توجد جامعة مغربية واحدة في لائحة ترتيب أفضل  ألف جامعة ! أي نعم  1000  جامعة  و ليس عشر أو حتى مئة !!!

الفاهم يفهم وانا غير داوي ."