رأي

عادل الزبيري: في تيفلت.. وردة مغربية أخرى

في قسم تعليمي حكومي مغربي في مدينة صغيرة في ضواحي العاصمة المغربية الرباط،

وفي اليوم الأخير من امتحانات الباكالوريا، في شهر يونيو من العام 2019،

وبعد انتهاء امتحان كتابي، تواصل لثلاث ساعات، لمادة الحياة والأرض لشعبة الحياة والأرض،

دخلت ثانوية وادي الذهب، في حي سكني، في مدينة تيفلت، الهدوء التام، والصمت المطبق، يسود المكان، لا يكسره إلا صوت فتح الباب الحديدي للمؤسسة التعليمية؛ الخاضعة للمراقبة الأمنية المشددة لضمان أن يمر كل شيء بخير،

شجعني صديقي التوزاني، من الاكاديمية الجهوية للتربية والتعليم، للتنقل صوب تيفلت، لتصوير في مدرسة عمومية/ حكومية، مع تلميذ من ضعاف البصر،

وفي اشتغالي الميداني، خبرني القائمون على الثانوية أن لديهم تلميذة، تجتاز الامتحان من المتميزات، وافقت بسرعة ووجهت المصور لتصوير التلميذة في قسمها

قررت عدم دخول القسم، لأنني لا أريد التشويش على تلاميذ في لحظات حاسمة ومصيرية من سنتهم الدراسية،

فيما كان التلميذ ضعيف البصر، في قسم خاص لوحده، لتمكينه من اجتياز امتحانه في أحسن الظروف، ولضمان عدم تشويشه على المترشحين الآخرين؛ معه تلميذة تكتب له الامتحان، فيما التلميذ الراغب في التخصص في الهندسة الكهربائية، يمليها الإجابات،

ولما انتهى الامتحان، دخلت القسم، ألقيت التحية، ودفوجدت قبالتي شابة تبتسم، تبادلنا التعارف، فحكت لي قصتها في كفاح إنساني استثنائي يستحق كل إشادة وتصفيق ودعم

تحجرت في مكاني، رميت جسدي على أقرب كرسي، ساعدتها عبر الحكي والاسترسال، لتفض عقدتها، وتثرثر أكثر لأن الحكي يريح صابحته، فوجدتها وردة تتفتح بشجاعة وسط غابات من شوك الحياة،

أحتفظ بكل التفاصيل لنفسي، فأخلاقيا لا يمكنني كشف أسرار إنسانية، ستبقى دفينة في ورقات قلبي، وسأغلق عليها في أمان،

هذه الوردة المغربية، التي تتفتح في صمت، بعيدا عن الأضواء، تحدت بشجاعة كل عوامل الفشل، فانتصرت على نفسها، لتحصل على معدلات تعليمية تستحق كل تنويه

لم تجد حرجا في البوح، وخبرتني أن عالمها ينحصر في مدينتي تيفلت والخميسات، فخبرتها أن تجعل عالمها يكبر في اتجاه العاصمة المغربية الرباط، من أجل أفق تعليمي جامعي، تشكت من مشكل الولوجيات للأشخاص، من ذوي الاحتياجات الخاصة، فخبرتها بضرورة أن تحلم لأن لا ضريبة على الحلم،

خبرتني أنها تتشكى من نظرات قاسية، يرميها الناس بها في مدينتها الصغيرة، فخبرتها أن لكل واحد منا، قصة فشل كانت بداية، لكتابة رواية نجاح في الحياة،

دعوتها للحفاظ على ابتسامتها دائما، لأنها يافعة أمامها الحياة، فإذا كانت بدايات فصول حياتها شوك قاسي، فإن القادم سيكون بإرادتها الصلبة خيرا وافرا، لأن الدنيا ضابط إيقاع لا يضيع الصابرين،

فبقدر قساوة القصة لوردة تيفلت، فهي مفاعل نووي ذاتي الشحن قادر على المضي قدما وسط صحراء من اليأس تحاول أن تطبق على صاحبتها

وردة تيفلت شجاعة ولا تحتاج إلا إلى الطاقة الإيجابية ومن يبادلها الابتسامة، ومن يساعدها في تسهيل ولوجيات لحياة جامعية أفضل

فبعد نهاية جلسة التصوير التلفزيوني، أدارت وردة تيفلت محرك سيارتها/ كرسيها المتحرك، وغادرت القسم التعليمي

وتركت وردة تيفلت عندي احتراما كبيرا لشجاعتها