محمد العربي هروشي: جلالة الحكمة ونبالة السياسة

المبادرة الملكية التي تساوقت مع عيد الفطر، والمتمثلة في القرار الحكيم بإصدار ملك البلاد العفو عن عدد من معتقلي حراكي الريف والحسيمة، بلغ ما بين الفئتين 107؛ ستون من حراك الحسيمة، تترجم شجاعة الدولة المقرونة بالحكمة ونبالة السياسة.

لقد كتبت عن الحراك مقالات خلال اشتداد أواره وبعد اعتقال رموزه، وتحريت الموضوعية في سياق يصعب فيه هذا الرهان، وكنت أؤكد دائما موضوعية المطالب الاجتماعية التي رفعها الحراك، والتي تمثلت في المشاريع الوهمية التي وقعت أمام أنظار الملك لتأهيل مشاريع منارة الحسيمة، والتي بقيت حبرا على ورق، وكانت سببا في اتخاذ قرار ملكي عقابي في شأن المسؤولين من أعلى مستوى، وزراء وغيرهم كل من موقع مسؤوليته. إذن لا جدال في مشروعية المطالب التي صدح بها الحراك في الريف.

ولسنا في حاجة إلى تكرار أن الحراك منذ بدايته اتخذ أسلوبا سلميا، غير أن تعنت الحكومة وصم آذانها في لا مبالاة غير مفهومة، بالإضافة إلى الموقف السلبي الذي بدا عليه الفاعل السياسي الحزبي من ترك للفراغ عوض احتواء الموقف والنزول إلى الميدان لتأطير الصراع وتبني المطالب المشروعة وخلق حوار مثمر مع الحراك، تركه يواجه مصيره أمام عدة لاعبين في الداخل والخارج، ركوبا على موجة الحراك البسيط في مطالبه، لنفاجأ بأجندات وتأويلات أخرجت الريف عن الملة والأمة، وهرعت أحزاب بما فيها إلى حدود بضع سنوات منذ كان ارتباطها بالقوات الشعبية مصدر قوتها وذيوعها وتأثيرها الوازن في الشأن العام السياسي الوطني، خصوصا لما كانت متخندقة في المعارضة، بل وحتى لا نبخس الناس حقهم، حتى لما كانوا في الولاية الأولى من التناوب التوافقي بقيادة المناضل حسن الذكر عبد الرحمن اليوسفي.

إن المبادرة التي أطلقتها الدولة مؤشر على وجود إرادة سياسية يجب استثمارها من طرف الجميع، سواء وسائط مدنية أو حزبية، من أجل أن يتم الإفراج عن كل المعتقلين المحكومين بممد ثقيلة وقاسية بعد أن قالت العدالة كلمتيها ابتداء واستئنافا.

لقد تم احترام القضاء بغض النظر عن درجات الأحكام التي طالت زعامات حراك الريف، وعلى رأسهم الزفزافي. وكان أفق انتظار المغاربة ومازال يشرئب إلى عفو ملكي شامل للطي النهائي لهذا الملف الذي من المؤكد أنه يسيء إلى تجربتنا الديمقراطية في الداخل والخارج. والحال أننا أمام استحقاق وطني هيكلي يمس توسيع صلاحيات الجهات في إطار الجهوية المتقدمة التي ينتظر منها تبويء المغرب موقعا إعرابيا ديمقراطيا في المنطقة العربية، وخاصة في قارتنا الإفريقية.

من من مصلحته ألا يطوى هذا الملف؟

سؤال مركب، لعل تلمس الإجابة عنه تدفعنا إلى استحضار كل من له المصلحة في وضعية الستاتيكو التي عليها البلاد اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وتنمويا منذ صعد حزب العدالة والتنمية إلى تسيير دفة الشأن العام، بالإضافة إلى الحالمين الطوباويين ممن بقوا حبيسي النظرة التقلدانية للدولة أو النظرة الأرثوذوكسية لبعض فصائل المتياسرين، والذين لهم أجندتهم خارج الوطن.

إن من شأن تعميم المبادرة الملكية بالشمول بإطلاق ما تبقى في سجون المملكة من معتقلي الحراك والرأي لمن شأنه أن يقطع الطريق على من يعيق استكمال بناء دولة المؤسسات، وضمنها وفي قلبها المؤسسة الملكية، بما يخوله لها الدستور من صلاحيات حاسمة. ولا بد من تثمين كل المبادرات الطيبة الجمعوية والمدنية، سواء في الريف أو في باقي أرجاء الوطن، والتي ما فتئت تبذل الجهود من أجل تصفية هذا الملف لاستئناف ورش الإصلاح التنموي وإطلاق جناحي المصالحة بين السياسة في نبلها والحكمة في جلال تقديرها للظروف والحيثيات المرافقة للسياق الإقليمي والدولي المحدق بنا.

*باحث شاعر ومترجم /الحسيمة