رأي

عبد الصمد بنشريف: الى الشعبين التونسي والمغربي

الفرح في الدول المغاربية والشرق-أوسطية  عملة نادرة، ولا يحدث إلا في المناسبات والانتصارات الرياضية..

في منطقتنا  غالباً ما تختلط الرياضة بالسياسة، فيفسر أي انتصار رياضي انتصاراً للخيارات السياسية، كما أن إجراءات اقتصادية واجتماعية كثيرة يتم ترويجها رديفاً للصواب، ويتم تمريرها في أوقات الانتصارات الرياضية، بل إن الرياضة، وخصوصاً كرة القدم، توظف بشكل منهجي للرفع من رصيد شعبية الحكم. وتبعاً لذلك، تنبري وسائل الإعلام العمومية، سيما التلفزيون، لترويج هذه الانتصارات وتسويقها، وربطها بالازدهار الاقتصادي، والاستقرار السياسي، اللذين ينعم بهما هذا البلد أو ذاك ، وتعمد شبكات التواصل الإجتماعي   إلى نشر تدوينات وتغريدات و بث لقطات ومشاهد لتأجيج المشاعر، بشكلٍ يصل أحياناً إلى مستوى الشعبوية، ويعكس نموذجاً لوطنية شوفينية في المغرب وتونس. وهذا ما ترجمته تدوينات رواد شبكات التواصل الاجتماعي وتغريداتهم، وهم الذين أظهروا حماسةً استثنائية، بخصوص ما حدث في مباراة الوداد البيضاوي والترجي التونسي. واذا كانت اللجنة التنفيذية للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم  قررت إعادة إجراء مباراة الإياب بين الوداد البيضاوي والترجي التونسي على ملعب محايد بعد نهائيات كأس إفريقيا للأمم 2019 والفريق التونسي ملزم بإعادة الكأس والميداليات. فلماذا كل هذه القيامة وانخراط عدد من التونسيين والمغاربة في حرب استنزاف إعلامية ونفسية  وكأن الأمر يتعلق بخسارة هذا الطرف أو ذاك لفرص تاريخية في التقدم والتطور  تحقيق الرفاهية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية  لن يجود بها الدهر أبدا.

 رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، الذي كان عليه أن يتفرغ لإيجاد حلول لمشاكل فئات عريضة من المجتمع التونسي، لم يتردد ومن منطلق وطني ضيق في سياق انتخابي محموم،  في توجيه التحية لأمن تونس، والتعبير عن التضامن مع الترجي بعد قرار الكاف.

ووصف الشاهد عبر حسابه الشخصي على فيسبوك قرار الكاف ب" المهزلة"، محييا قوات الأمن التونسية التي اعتبرها مثالا يحتذي به في العالم، مؤكدا على أن من يشكك في أمن تونس أن يتحمل مسؤوليته.

.وقال الشاهد  :" لن نسلم في حق الترجي وفي حق أي جمعية تونسية"، منهيا كلامه ب" التوانسة يد واحدة"

مع احترامي لمشاعر السيد الشاهد، كان عليه أن يسمو بنفسه عن مثل هذه المعارك التي تحكمها مساطر وآليات واتحادات وطنية، لها كامل الحق في الدفاع عن ما تراه مشروعا. لكن الشاب الشاهد الذي يخوض معركة حامية الوطيس املا في  الوصول إلى قصر قرطاج فضل ركوب تيار الشعبوية السياسية، ولعب على مشاعر جمهور الترجي والجمهور التونسي بشكل عام، ليساهم في إفراغ الزيت على النار  وخلق أزمة مفتعلة بين الشعبين المغربي والتونسي، خاصة وأن هناك شرائح من أنصار الفريقين المغربي والتونسي لا تخلو سلوكاتها من تطرّف واندفاع وتعصب أعمى وتهور وقصر نظر.

مؤكد أن الشعوب والمجتمعات التي مازالت تتلمس طريق البناء الديمقراطي وتشكو من جملة من  المشاكل والاختلالات السياسية والاقتصادية والإجتماعية، تجد في الانتصارات الرياضية و كرة القدم تحديدا تعويضا  للانتصارات المفقودة في  المجالات المرتبطة بالصحة والشغل والتعليم والبنيات التحتية والنمو الاقتصادي. تأسيسا على ذلك لا يجب أن تتحول موقعة رادس بين الوداد والترجي إلى مصدر للضغائن والأحقاد ومشاعر الكراهية. كما يتعين على الجمهور التونسي والمغربي أن لا يغذي هذه المشاعر من خلال تلغيم وتفخيخ شبكات التواصل الاجتماعي بتدوينات وتغريدات لا تنتج سوى التفرقة والانقسام والتخلف وتغذي ثقافة الاستبداد والأصوليات بمختلف أنواعها بما فيها الأصولية الرياضية.

ما يجمع بين المغاربة والتونسيين أكبر  من تداعيات مباراة بين ناديين شابتها بعض الاختلالات. هناك استحقاقات ورهانات كبيرة وأساسية وذات حمولة جيو- إستراتيجية. ومسك الختام الانفعالات والعواطف لا تصنع سياسات ولا استراتيجيات. لذلك وجب الاحتكام إلى التعقل والحكمة والرزانة في تدبير مثل هذه الأزمات العابرة.

*نص تدوينة كتبها الإعلامي والكاتب عبد الصمد بنشريف على حسابه بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك