تحليل

أية خريطة لتنويع الصادرات المغربية؟

محمد كريم*

على الرغم من بعض التقدم الذي أحرزته الصادرات المغربية لبعض السلع منذ عشر سنوات الأخيرة، إلا أن التجارة الخارجية تبقى الحلقة الأضعف للاقتصاد الوطني. إن الانفتاح السريع الذي انخرط فيه المغرب تحت تأثير العولمة الاقتصادية وعدم التدبير الجيد لصيرورة تأهيل المقاولات المصدرة، وكذا تدبير المفاوضات، لم تمكن من إنعاش التجارة الخارجية بالشكل المنتظر، ما جعل اقتصادنا إثر هذا الانفتاح المتسرع عرضة للصدمات الخارجية.

هكذا يستقر الميزان التجاري على مستويات عجز ينوي مقلق كل سنة، إذ إن قيمة الواردات تمثل 48.6 بالمائة من قيمة الصادرات، أي النصف تقريبا. أما العجز التجاري فيشكل اليوم 23 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وهو مستوى غير مسبوق.

ورغم ذلك فإن ثمة آفاقا تتاح للاقتصاد الوطني من أجل الخروج من الحلقة المغلقة للتجارة الخارجية، وتتجلى في الاستثمار في منتجات وقطاعات وأسواق تكون للاقتصاد الوطني فيها ميزات مقارنة وتنافسية سنتطرق إليها.

تتطرق هذه الورقة في المحور الأول إلى قياس تنافسية الصادرات المغربية. أما المحور الثاني فيقترح إجراءات ستمكن من تقوية تنافسية الصادرات.

المحور الأول: قياس تنافسية الصادرات المغربية

إن تحليل خريطة تنويع الصادرات المغربية لسنة 2017 يبين أن هناك ثلاث فئات من المنتجات يجب التركيز عليها، وهي تسمى على التوالي المنتجات البطلة والمنتجات غير الفعالة ومنتجات المهن العالمية الجديدة.

الفئة الأولى تتشكل من المنتجات البطلة (Produits champions)، وهي المنتجات الديناميكية التي تمكن عموما من ربح حصص السوق، وهي كالتالي: تجهيزات توزيع الكهرباء والمنتجات الكيماوية غير العضوية والأسمدة التي تندرج كلها في قائمة المنتجات ذات الكثافة التكنولوجية المتوسطة والعالية، والتي تمكن المغرب من ربح أسواق إضافية.

الفئة الثانية المشكلة من المنتجات غير الفعالة (Produits non performants)، وهي المنتجات المتميزة بارتفاع قوي في التجارة الدولية، لكن فقد فيها المغرب حصصا كبيرة في السوق الدولية. في هذه الفئة توجد بعض المنتجات الفلاحية كالخضر والفواكه وبعض منتجات البحر كالأسماك.

الفئة الثالثة المشكلة من منتجات المهن العالمية الجديدة (Nouveaux Métiers Mondiaux) ، وهي المنتجات المرتبطة بقطاعات منبثقة من الميثاق الصناعي لسنة 2009، والذي يتعين اليوم القيام بتقييمه من أجل التأكد من أن هذه القطع المتمركزة على المهن العالمية الجديدة هي فعلا محركات نمو ناجحة، باعتبار ديناميكيتها على المستوى الدولي والامتيازات التنافسية التي توفرها للمغرب.

• المنتجات البطلة: تشكل 40.2 بالمائة في المتوسط من إجمالي الصادرات المغربية على مدى السنوات الخمس الماضية، وتشمل السيارات والفوسفاط والأسمدة ومعدات توزيع الكهرباء والقشريات والرخويات.

• وفي المقابل، سجلت حصة المغرب في السوق العالمية انخفاضا بالنسبة للمنتجات التي تعرف تزايدا في الطلب العالمي، خاصة الملابس والأحذية والمنتجات الغذائية. وتصنف هذه المنتجات كمنتجات غير فعالة، وذلك بسبب المنافسة القوية في السوق العالمية.

ولإغناء النقاش نقترح عدة إجراءات من أجل تحسين تنافسية صادرات المغرب التي تعد دعامة أساسية في الاقتصاد الوطني، نظرا لأنه يمكن من توفير العملية الصعبة والشغل والنمو الاقتصادي.

أولا: يجب استهداف القطاعات والمنتجات ذات العرض المتاح، وهي الفئات من السلع التي ذكرناها، كالسيارات والخدمات المرحلة وتكنولوجيات الإعلام والاتصال، أو الإلكترونيات والفلاحة والصناعة الغذائية والمنتجات البحرية والنسيج والجلد والأدوية ومعدات البناء، وترك المنتجات المتقهقرة أو المقاومة.

وبغض النضر عن تجارة السلع والخدمات فإن المغرب بإمكانه تسويق خبرته في الكهربة والولوج إلى الماء الصالح للشرب، وتشييد السدود والتجهيزات الطرقية والسككية والاتصالات والتكنولوجيات الحديثة. إنه نموذج اقتصادي يمكن تصديره للقارة الإفريقية. فالمغرب يتوفر على ثلاثة مقومات، وهي: البعد الجغرافي والخبرة العالية والتكلفة التنافسية.

وأخيرا، فحسب دراسات معهد Werner في ما يخص التكلفة الوحدوية لليد العاملة في قطاع النسيج فإنه:

• رغم المستوى الضعيف في ما يخص تأهيل اليد العاملة المغربية في هذا القطاع فإن التكلفة تبقى جد مرتفعة مقارنة مع بعض الدول المنافسة.

• التكلفة في المغرب تمثل 9 مرات التكلفة في بنغلاديش و6 مرات التكلفة في فيتنام و2.5 مرات في مصر و1.3 مرات مع تونس.

و حسب دراسة أخرى للبنك الدولي لتقييم المناخ الاستثماري ICA(Investment Climate Assessment): يلاحظ أن 40 بالمائة من الشركات الأجنبية تعتبر أن الولوج إلى القطاع العقاري في المغرب يشكل عائقا كبيرا، في حين أن هذه النسبة لم تتجاوز 10 في المائة في بعض البلدان المنافسة، كتركيا وبولونيا والصين وبلغاريا.

وحسب دراسات البنك الدولي لتقييم المناخ الاستثماري يلاحظ أن 37 بالمائة من الشركات الأجنبية تعتبر أن الولوج إلى الطاقة في المغرب يشكل عائقا كبيرا.

المحور الثاني. إجراءات تروم تقوية تنافسية الصادرات المغربية

ثمة إجراءات ضرورية ستمكن من تقوية العرض التصديري ويتعلق الأمر:

أولا. بتنزيل مختلف السياسات القطاعية مع جذب استثمارات أجنبية والعمل على الرفع من درجة استفادة النسيج الاقتصادي الوطني منها، عبر تشجيع تحويل التكنولوجيا المرتبطة بها واندماج النسيج الإنتاجي الوطني.

وفي هذا الإطار، يسعى المخطط الوطني لتسريع التنمية الصناعية إلى إحداث دينامية وعلاقة جديدتين بين المجموعات الكبرى والمقاولات الصغرى والمتوسطة، وتعزيز مكانة القطاع الصناعي كمصدر رئيسي لفرص الشغل، مع ملاءمة الكفاءات مع حاجيات المقاولات. لكن يبقى هذا المخطط جد طموح، إذ يستحيل تحقيق أهدافه في أفق 2020 نظرا لاستحالة تحقيق نسبة نمو القيمة المضافة الصناعية مفترضة في 15 بالمائة سنويا منذ سنة 2014، لسبب بسيط وهو أن معدل نمو القيمة المضافة الصناعية كل سنة هو 2.5 بالمائة.

ولهذه الغاية، تم التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات مع مختلف المتداخلين لإطلاق 3 منظومات متكاملة (Ecosystèmes) في صناعة النسيج و5 منظومات في قطاع السيارات، بما فيها تلك الخاصة بمجموعة بوجو (PSA) و4 منظومات لدعم قطاع الطيران، بتمويل من صندوق الاستثمار الصناعي. كما يتواصل العمل على مضاعفة المكاسب الاقتصادية للطلب العمومي عبر المقاصة الصناعية (Compensation industrielle) وخاصة في مجالات الطاقات المتجددة والسكك الحديدية...

ثانيا. تكثيف وسائل دعم ومواكبة العرض القابل للتصدير والرفع من تنافسيته:

• فتح أسواق جديدة للصناعة الوطنية، خاصة من خلال تعزيز التوجه الإفريقي للمغرب، خصوصا بعد زيارات صاحب الجلالة لعدة بلدان إفريقية وآسيوية، والتي أعطت دفعة جديدة في هذا المجال.

• دعم المقاولات في تنمية أنشطة التصدير عبر وضع برنامج خاص يرتكز على آلية عقود تنمية الصادرات.

• تخفيض تكلفة تأمين الصادرات من أجل الحفاظ على حصة المقاولات المغربية في الأسواق الخارجية وغزو أسواق جديدة أخرى، خاصة في الدول العربية والإفريقية.

• وضع آليات جديدة لتسهيل ولوج المقاولات، وخاصة المصدرة منها، إلى التمويلات البنكية من خلال إحداث الحكومة لصناديق للضمان والتمويل المشترك خاصة لهذا الغرض.

ثالثا. العمل على الحد من تنامي الواردات من خلال :

• السعي إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة عبر مواصلة تفعيل برنامج النجاعة الطاقية وتطوير التجربة المغربية في مجالات الطاقات المتجددة التي ينتظر أن تمثل 42 بالمائة من القدرة الكهربائية المنشأة خلال سنة 2020 و52 بالمائة خلال سنة 2030.

• تعزيز مراقبة السلع المستوردة بما في ذلك الحرص على احترام المواصفات التقنية وقواعد المنشأ.

• مواصلة تفعيل إجراءات الحماية التجارية ضد الواردات المكثفة التي تضر بالمنتوج الوطني؛ ويتعلق الأمر بقطاعات الخشب والورق والصلب والأدوية والصناعات الكيماوية، وغيرها من المواد التي يتم استيرادها من دول مختلفة من أوروبا وأمريكا وآسيا.

*أستاذ جامعي ومفتش إقليمي سابق بوزارة المالية.