دردشة رمضانية (30/30)

القيم (3/3)
***
الروح

لم أجد أفضل من "حديث الروح"، لختم دردشتي الرمضانية. ربما لأن الروح هي "عقل الكون" وسره الغاءب. "ويسألونك عن الروح. قل هي من عند ربي"، أي من "الغيب"، الذي يسكننا، لكن لا نعرفه أو نطاله أبدا.

في هذا الصدد، فرق هيجل، في كتابه "ظاهريات الروح"، بين ثلاثة اشكال من الروح: الروح الذاتية التي تهم كل فرد، والروح الجماعية التي تهم المؤسسات والدولة والقوانين، والروح المطلق التي تهم الدين والفلسفة والفن.

وهي "ارواح" تتفاعل فيما بينها، التقاء او اختلافا. بيد أنها تشكل في مجموعها ، إلى جانب العقلانية والدين (كما عبرت عنه في حديثي عن الدين) موارد رمزية او ثقافية هامة، يمكن للبشر استعمالها خيرا أو شرا.

بناء عليه، نلاحظ انه، في خضم الزحف المادي الذي يهدد عصرنا، ما فتىء هؤلاء يجتهدون في البحث عن ذواتهم أو هويتهم. أي باختصار، عما من شأنه أن يقاوم، في اعتقادهم، هذا الزحف ويعطي معنى ما لوجودهم.

ومن الحلول التي تم اقترحها لهذا الغرض، إلى جانب حلول أخرى مادية أو رمزية، هي الروحانية. وهي التي تفيد هنا "إعادة السحر للعالم"، والعودة أو الدعوة (لا فرق) الى جوهر ما في الإنسانية وهو: روحها الأصيلة.

هذا ما يمكن ملاحظته، ليس بالضرورة في بعض المظاهر السلبية لما أسماه البعض "بعودة الدين" (الاصوليات)، ولكن أساسا في ظاهرة تبدو عالمية، وهي الانتشار التدريجي لظاهرة الروحانية، بأشكال مختلفة.

قلت "مختلفة"، لأنها تتجلى في وجوه عدة: الدين (الاختيار الديني الحر)، والاقتصاد (العادل والتضامني)، والاجتماع (تثمين المشترك)، والبيئة (الاهتمام بالطبيعة والبيو)، والثقافة والفن والروحانيات والتصوف(...).

أن مما لاشك فيه أن لظاهرة الروحانية حدودها، أمام جبروت العالم المادي و"فتنة الحياة الدنيا". كما أن لها أمراضها الخاصة مثل استغلالها للتجارة او الشعوذة والتضليل، كما تمثل ذلك بعض أشكال الروحانيات.

لكن مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، و..."ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل"!
***
ملاحظة:
بهذا أكون قد أنهيت سلسلة "دردشة رمضانية" لسنة 2019، مقدما الشكر لمن تتبع كل حلقاتها أو بعضها أو علق عليها. واملي مواصلة هذا العمل في المستقبل، مادام في العمر بقية. وعيد مبارك سعيد إلى كل الأصدقاء.