محمد بهضوض: دردشة رمضانية (29/30)

القيم (2/3)
***
الجمالية

القيم الجمالية هي، كما ذكر، جزء من الحقل القيمي العام، وهي تقوم عموما على قيمتين هما: الجمال والقبح. ما يفيد بأن الجمالية هي ملكة الحكم التي تجعلنا نميز بين ما هو جميل أو قبيح في الحياة، وفق معايير ذاتية أو موضوعية. .

وهي ملكة طبيعية في الإنسان، يمتلكها بوصفه "كائنا ثقافيا"، يسمي الأشياء ويخلع المعنى عليها. ما جعله يرى الجمال في كل شيء: في الكون والطبيعة، والدين والدنيا، والآداب والفنون، والجسد والسلوك، والنظر والعمل.

لكن إذا كانت الجمالية ظاهرة قديمة، رافقت الإنسان منذ نشأته وتحدث عنها عدد كبير من الفلاسفة ورجال الدين، فإنها لم تأسس كعلم مستقل إلا خلال القرن 18 (الكسندر بومغرتن)، باعتبارها علم الحس أو الذوق والشعور.

لكن المشكل الذي طرحه، ومازال، مثل هكذا تعريف عام لدى أوساط فكرية وفنية عدة هو : هل يمكن اعتبار الجمالية "علما"، وهي ترتبط بالحس أو الشعور البشري؟ وإذا كان ذلك ممكنا، فعلى أساس أي معايير أو مقاييس؟

المعضلة هنا هي أننا إذا جعلنا مقياس الجمال هو الحس، فقد يعني هذا أنه ليس هناك مشترك بين الناس حول ما هو جميل. والعكس، أي إذا اعترفنا بوجود هذا المشترك ، فقد يؤدي ذلك إلى فرض "ديكتاتورية الجميل".

بمعنى، أن الجميل هنا هو ما يقوله الدين أو الأكاديمية أو السوق (الموضة) أو النقد والاعلام...، وعلى الجميع الخضوع له. والحال أن هذا مرفوض بالتأكيد، لا سيما في عالم الفن، التي تقوم جماليته أساسا على حرية الفنان والمتلقي.

لكن هل هذا يعني أنه لا مقاييس لتحديد الجمال و"أن الأذواق والألوان لا تناقش"؟ المسألة فيها نظر. إذ من جهة، الناس عموما يدركون بالفطرة ما يعتبرونه جميلا، لكن مقابل ذلك لا جمال دون تربية وتكوين وتوجيه.

ولعل احدى التحديات الكبرى التي أضحت تواجهها مجتمعات اليوم تكمن هنا بالذات، أي: كيف يمكن دعم او تعزيز ما يمتلكه الناس بالفطرة من ملكات الجمال والروح، حتى لا ينحرفوا لما هو قبيح أو يغرقوا في عالم الماديات فحسب؟.

مشروع ضخم، دون شك. يستحق، إن لم يكن التطبيق، فعلى الأقل التفكير!