رأي

عادل الزبيري: مشاهدات رمضانية مغربية

في البداية، تقبل رب المساء والسماء والقضاء كل أعمالكم الصالحات وبعد ركب دراجته النارية، ثلاثية العجلات، الملقبة مغربيا ب triporteur، ضغط بقوة على دواسة البنزين بقدمه اليمنى، لا يرتدي حذاء، ولكن صندلا، ويضع قبعة صيفية على رأسه، لم يهمل راكبه الأخير ركوبا، فانطلق مسرعا، لأنه سيارة أجرة للراكبين، مع تحمل لكامل المخاطر كان يوم رمضاني اعتيادي، يمر في صمت، في شارع في مدينة سلا بقرب العاصمة الرباط، لا تكسر هدوءه إلا دراجات نارية، تاكسيات غير قانونية، ثلاثية العجلات، تمخر عباب المغامرة، لا تحترم لا قانونا ولا آدمية من يركبون تصل شمس النهار كبد السماء المغربية،

أقرر زيارة السوق، ليس للتسوق، ففي رمضاني انخفاض لكلفة المعيشة بالنصف، لأنني صائم، ولكن توجهي للسوق لتدبر أحوال الناس، ومعرفة مستويات الغلاء وأحوال البيع والشراء تتوقف سيارتان في شارع السلام في سلا، يخرج من المقاعد الخلفية، شاب مكتمل القوام، فيزبد شتما في السائق، يتدخل شرطيان اثنان، كانا قريبان من الحادثة المرروية، فيلزمان الشاتم بالرجوع إلى السيارة، في المسطرة القانونية لتدبير حادث مروري وفي الشيخ المفضل، أحد أكبر الأسواق الشعبية في مدينة سلا، يوقف سائق بكل هدوء حركة المرور، لما يركن سيارته في الصف الثاني، فلا تجد شاحنة عملاقة لنقل البنزين، سبيلا للمرور، فيطلق السائق زعيق صوت ضخم للشاحنة الكبيرة يتدخل رجال الشرطة.

أراقب الوضع بتأمل لما آل له حالنا، مرض الفردانية ضارب فينا جميعا، أناور مع باقي السائقين، فأغادر المكان، الهروب في رمضان المغربي شجاعة فضلى في أحد الزقاقات الضيقة في حي الانبعاث، في مدينة سلا المغربية، أغرق في زحام بشري هادر، لا سبيل للمرور إلا بصعوبة شديدة، فالتجارة في رمضان يحكمها منطق التضييق على الناس في طريقهم أجد الدفئ الإنساني دائما في الأحياء الشعبية المغربية، ففي الضيق من زقاق يهب هواء عليل، وتتلاقى الأكتف بين الناس في المماشي الضيقة في دفئ إنساني فباعة السمك يرمون بماء غسل بضاعتهم، أمام المارة الراجلين العابرين، وباعة الخضار يحتلون بصناديقهم الخشبية منتصف الطريق وفي السوق الشعبي.

يتجاور الكل مع الكل، محل بيع الذهب مع بائع النعناع والقزبر والفجل، وكل طازج ينسم السلطة وبراريد الشاي بقرب صندوق لسمك السردين، يقرفص 3 شبان، يفرغون السردينات من الأحشاء، يقطعون الجزر، ويعصرون البرتقال تعجز العين البشرية على تسجيل كل المشاهد اليومية، في دراما الحياة في رمضان المغربي، فالمتسوقون نوعان؛ باحثون عن تسوق لحاجيات البيت، وباحثون عن قتل الوقت، في انتظار رفع آذان المغرب؛ أي موعد وليمة الفطور يعم الهدوء السوق الشعبي، تعب الباعة من الصراخ التريويجي لبضائعهم، فيما تهاجم أنفي بشراسة، روائح الأكل الجاري طهيه، في البيوت المجاورة للسُويقة اهتم سكان مدينة سلا كثيرا، بأخبار مصلى حي الانبعاث، لصلاة التروايح، في ليالي رمضان، تقاسم للأخبار والمقاطع المصورة للمقرئين على مواقع التواصل الاجتماعي وتعبير عن الإعجاب بنجوم القراءات للقرآن الكريم ففي ليالي رمضان، لا تتوقف الحياة في المغرب، فيما في النصف الأول من النهار، يتوقف كل شيء، إلا من اتقى ربه في عباده، فذهب إلى عمله، بينما ترتفع بقوة وتيرة الحياة بعد رفع آذان العصر، في الأسواق، ولا يمر عابر إلا بكيس بلاستيكي، ولا يغادر رجل مخبزة إلا بأكياس خبز وحلويات ومعجنات مغربية ولا يمكنني أن أمر بقرب حاوية للنفايات، إلا ووجدتها فاضت بما حملته، مما جرى الإلقاء به من البيوت فكلما شكى لي صديق من الغلاء، وقلت له لا تشتري ما لا طاقة لك به، خبرني أن في رمضان، لا يمكنك أن لا تشتري وفي نهاية الشهر، يرحل رمضان في صمت.

فيأتي عيد الفطر السعيد، يلبس المغاربة الجديد، ويأكلون الحلويات، ويتبادلون التهاني عبر واتساب، أو مكالمات هاتفية، ثم إلى بقية حياتهم يمضون ففي رمضان المغربي، يغادر شباب ليلهم القصير، في صمت لتوزيع ما جادوا به على فقراء، يعيشون بيننا ولا نعرفهم وفي نهارات رمضان، لا يهتم سكان حي الرياض الراقي، في العاصمة المغربية الرباط، بمعرضين اثنين متاليين، للمنتوجات التقليدية اليدوية المغربية فيما يتحول محج الرياض إلى أكبر ممشى ليلي، وإلى مقهى عملاقة يبحث الجميع عن كرسي فارغ ولرمضان نشاط للمتسولين في كل مكان، في إشارات المرور، في أبواب المساجد، وعند مداخل الأسواق الشعبية وفي رمضان المغربي، لا تتوقف الحياة في سويقة المدينة التاريخية، في العاصمة الرباط، صناع الورق من العجين، لا يتعبون أو هكذا يخيل لي، أما نساء من المعجنات المغربية، فهتمتهن ببطاريات ذاتية الشحن.